الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج عليك في الانفراد عن أبيك بالسكن، قال ابن قدامة في المغني: فأما البالغ الرشيد، فلا حضانة عليه، وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه، فإن كان رجلاً، فله الانفراد بنفسه، لاستغنائه عنهما ويستحب أن لا ينفرد عنهما، ولا يقطع بره عنهما. ومن حق زوجتك عليك أن تسكنها في مسكن مستقل، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 28860.
واعلم أن الوالد إذا كان فقيراً فنفقته واجبة على أولاده، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. اهـ من المغني لابن قدامة. ولكن يشترط لوجوب الإنفاق أن يجد الابن ما ينفقه زائداً عما يحتاج إليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك. رواه مسلم في صحيحه.
والزوجة مقدمة في النفقة على سائر الأقارب، قال ابن قدامة في المغني: ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص وله امرأة فالنفقة لها دون الأقارب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: إذا كان أحدكم فقيراً فيبدأ بنفسه فإن كان له فضل فعلى عياله فإن كان له فضل فعلى قرابته.
فإذا كان والدك محتاجاً لهذا المال الذي يطلبه منك وكنت قادراً على إعطائه دون أن يضرك ذلك فالواجب عليك أن تعطيه، فقد أباح الشرع للوالد أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه، إذا كان الولد يملك ما يزيد عن حاجاته الأصلية، بل ذهب الحنابلة إلى أنه يجوز للوالد أن يأخذ ولو لم يكن محتاجاً، ولكن على كل الأقوال لا يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده ما يجحف به أو يضره، قال ابن قدامة في المغني: وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها صغيراً كان الولد أو كبيراً بشرطين أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر..
وأما إذا كان والدك غير محتاج إلى هذا المال، فلا يجب عليك إعطاؤه لكن من الإحسان إليه وبره أن تعطيه ما لا يلحقك ضرر بإعطائه، فإن لم تفعل فلتعتذر له برفق وتداوم على بره والإحسان إليه، ولا يضرك غضبه ولا تكون بذلك عاقاً له.
والله أعلم.