الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمعلوم أن قيام الليل مستحب وليس بواجب، كما سبق بيانه في الفتويين رقم: 311، 53582.
فلا يأثم أو يعاقب من تركه ولو بغير عذر، وعلى ذلك فمن أمر به غيره ونصحه وحثه عليه، ثم لم يقم هو، فلا يدخل في نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه. متفق عليه.
فهذا الحديث ونحوه في الأمر بالواجبات والنهي عن المحرمات، لأنه لا يدخل الله العبد النار ويعذبه على ترك المستحبات، فمن أمر بالمستحبات ولم يأتها فهو مأجور من جهة الأمر بها والدعوة إليها والحث عليها، ولا يأثم إن لم يفعلها، لأنها مستحبات لا يؤاخذ تاركها في الجملة، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 113900.
ومما يفيد الأخ السائل حين يأمر بقيام الليل ونحوه مما لا يواظب عليه أن يحتسب أجر النصيحة، وينوي إعانة أخيه المسلم على تلك الفضيلة استجلابا لمعونة الله له، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. رواه مسلم.
ثم ننبه الأخ السائل على أنه لا يصح أن يترك المرء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة للمسلمين ودعوتهم للخير، بحجة أنه مقصر، حيث يقول الله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {البقرة: 44}.
فقد قال ابن كثير: ليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف، وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلف عنهم، كما قال شعيب، عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ {هود: 88}.
فَكُلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجب، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصح قولي العلماء من السلف والخلف. هـ.
فالمقصر ينبغي أن يظل ناصحا لإخوانه محتسبا لأجر نصيحته، وفي الوقت نفسه يجتهد في إصلاح حال نفسه وإقامتها على الجادة، وراجع الفتوى رقم: 53105.
والله أعلم.