الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نجد من حكم على هذه القصة بصحة أو ضعف، وقد أورد جمال الدين الزيلعي في كتابه: تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف ـ قصة سعد بن الربيع ـ رضي الله عنه ـ وحكم عليها بالغرابة حيث قال:غريب بهذا اللفظ ـ ثم ذكر روايات أخر لم يتعرض للكلام عن إسنادها.
وعلى فرض صحتها، فإنه لا تناقض فيها، وما ذكرته ليس تناقضا وإنما هو تفصيل يزيده بعض الرواة ويتركه بعضهم، فالأب من الأهل فربما اقتصر الراوي أحيانا على ذكر الأب وأحيانا أخرى يذكر الأهل لوجود غير الأب معه، والإسلام يحرم ضرب الزوجة لغير نشوز، بل حتى عند نشوزها ومعصيتها لزوجها يحرم على الزوج أن يضربها ضربا مبرحا، والذي أجازه الإسلام هو الضرب غير المبرح الذي لا يشين عضوا ولا يكسر عظما، ثبت في صحيح مسلم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح.
قال عطاء: قلت: لابن عباس ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه.
ويتأكد تحريم الضرب في الوجه، ففي سنن ابن ماجه عن حكيم بن معاوية عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الزوج؟ قال: أن يطعمها إذا طعم وأن يكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح ولا يهجر إلا في البيت.
وراجعي في تكريم الإسلام للمرأة الفتوى رقم: 16441.
وغاية ما في هذه القصة أنه لا يقتص لها منه، لأن هذا يتنافى مع قوامته عليها وفيه تجرئة لها عليه وهذا مادام ضربه لها في حدود الأدب، فإن تعدى فلها الاقتصاص منه، كما بينا ذلك في الفتوى رقم:107165، وينبغي أن يعلم أن قوامة الرجل على المرأة ليست قوامة تسلط وتجبر، وإنما قوامة تقويم وتأديب وتدبير للأمور على أحسن الأحوال، قال القرطبي في تفسيره: فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية.هـ.
وراجع الفتوى رقم: 18814.
وأما المقصود بالنشوز فهو عصيان المرأة زوجها فيما له عليها من حقوق، قال ابن قدامة في المغني: معنى النشوز معصيتها لزوجها فيما له عليها, مما أوجبه له النكاح، فمتى امتنعت من فراشه, أو خرجت من منزله بغير إذنه, أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها, أو من السفر معه, فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم.هـ.
وخوف النشوز فسره بعضهم بالعلم به، وفسره آخرون بالظن أي بظهور علاماته، قال الشافعي في أحكام القرآن: وأشبه ما سمعت ـ والله أعلم ـ في قوله: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ {النساء:34}.
أن لخوف النشوز دلائل فإذا كانت ـ فعظوهن. هـ.
وهذه الأمور التي وردت في تأديب المرأة على الترتيب، فلا ينتقل إلى مرحلة إلا بعد استنفاد ما قبلها، وهذا الذي فهمه العلماء من الآية الكريمة قال الإمام الرازي في تفسيره: والذي يدل عليه نص الآية أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى إلى الضرب وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريقة الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريقة الأشق.هـ.
وقال الكاساني الحنفي: فإن كانت ناشزة فله أن يؤدبها، لكن على الترتيب، فيعظها أولا على الرفق واللين، فلعلها تقبل الموعظة فتترك النشوز، وإلا هجرها، فإن تركت النشوز فبها، وإلا ضربها.هـ.
ففهم هذا المعنى من التدرج من الأخف إلى الأثقل.
وإباحة الضرب غير المبرح في النشوز لا يتعارض مع الحديث المذكور وهو قوله صلى الله عليه وسلم: والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
رواه البخاري ومسلم.
فالذي شرع ما في هذا الحديث هو الذي شرع الضرب، ثم إنه لو جرى الناس على هذا الفهم أي دعوى التعارض لما أقيمت الحدود بدعوى أن في ذلك أذية للمسلم، وفي هذا كثير من الفساد.
وإذا نشز الزوج فقد أرشد الشرع إلى كيفية علاج نشوزه في قوله سبحانه: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ {النساء 128}.
ولا يجوز للزوجة أن تنشز لنشوزه هو.
وسقوط نفقة الناشز معناه أنه لا يجب على الزوج أن ينفق عليها ولا يعني أنه يجوز للزوجة عصيان زوجها إذا كانت غنية، فهي لا يجوز لها عصيانه غنية كانت أو فقيرة.
والله أعلم.