الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإرسال مثل هذه الرسائل التي تشتمل على العلم النافع والمواعظ الحسنة الأصل فيه الجواز ـ سواء كانت للرجال أو النساء ـ بل هو من الأعمال الصالحة، لأنه من جنس الدعوة إلى الله جل وعلا, ولكن ثبت بالتجربة والواقع أن فتح مثل هذا الباب مع النساء ذريعة قوية للفتنة والشر، وأمر كهذا لن يدعه الشيطان يمر هكذا دون أن يجتهد في إغواء أصحابه ـ ولكم رأينا وسمعنا عن حرمات انتهكت, وفواحش ارتكبت كانت بدايتها مثل هذه الأمور الطيبة, وما ذلك إلا لأن فتنة النساء فتنة عظيمة كبيرة ـ فحري بالعاقل أن يغلق دونها كل باب ويسد أمامها كل ذريعة, وإن أردت عموم الفائدة ـ كما تذكر ـ فيمكنك أن تكلف زوجتك أو أختك مثلا لتتواصل هي بدورها مع هؤلاء النسوة وتقوم على دعوتهن وتذكيرهن بالخير.
أما عن محادثة النساء مع الرجال بغير ضرورة ولا حاجة فالأصل أنها غير جائزة، كما بيناه في الفتوى رقم: 21582 .
فإن وجدت شيئا من هذا المنكر فواجب عليك أن تنهى أصحابه عنه بالحكمة والموعظة الحسنة والأسلوب اللين الرفيق ولا يجوز لك أن تؤخر النهي حتى ينتهي المنكر وينقضي، لأن المقصود من النهي عن المنكر الإعذار إلى الله سبحانه وانتهاء أصحابه عنه، قال سبحانه: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {الأعراف : 164}.
فلا يجوز لك أن تترك أصحاب الباطل على باطلهم ثم ترسل إليهم بعد ذلك موعظة، بل عليك بنصحهم في الحال, وهذا كله مقيد بالقدرة وغلبة المصلحة, فإن ظننت أن نهيك لهما وهما على هذه الحال قد يؤدي إلى عكس المقصود من عنادهما أو نفورهما أو يؤدي إلى مفسدة كبيرة فلا مانع حينئذ أن تغير بقلبك وتؤخر التذكير إلى ما بعد ذلك ـ سواء كان في صورة تذكير مباشر أو إرسال رسالة ونحو ذلك ـ وقد بينا حكم إنكار المنكر في الفتوى التالية أرقامها: 123483، وبينا معنى إنكار المنكر بالقلب خاصة في الفتوى رقم: 1048 .
والله أعلم.