الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأصل في الذبائح الحرمة حتى تعلم حليتها، بكونها ذكيت ذكاة شرعية بقطع الحلقوم والودجين، وكان المباشر للذكاة من المسلمين أو من الكتابيين، فما كان كذلك جاز تناوله، وإلا لم يجز، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 62491، 42033.
وإذا استفاض الخبر بكون هذا الدجاج لا يذكى بطريقة شرعية بحيث يغلب على الظن صدق ذلك، فيجب حينئذ الاحتياط بعدم أكله استبراءً للدين، وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 124805، 30570، 2437.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين في ذكر أنواع الاستصحاب: النوع الثاني: استصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه، وهو حجة، كاستصحاب حكم الطهارة وحكم الحدث، واستصحاب بقاء النكاح وبقاء الملك وشغل الذمة بما تشغل به، حتى يثبت خلاف ذلك، وقد دل الشارع على تعليق الحكم به في قوله في الصيد: وإن وجدته غريقا فلا تأكله فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك. وقوله: وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره. لما كان الأصل في الذبائح التحريم وشك هل وجد الشرط المبيح أم لا؟ بقي الصيد على أصله في التحريم.هـ.
وقال الشيخ الدكتور ـ صالح الفوزان ـ في بحث له بعنوان: الذكاة الشرعية وأحكامها. نشر في مجلة البحوث الإسلامية: عن اللحم الذي لم تعلم كيفية ذكاته على وجه اليقين، وتدور حوله شكوك قوية في أنه يذبح على غير الطريقة الشرعية، قال: هذا قد اختلفت فيه آراء العلماء المعاصرين على قولين:
القول الأول: أنه مباح، عملا بالآية الكريمة: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ. والأصل في هذه الذبائح الإباحة إلا إذا علمنا أنها ذبحت على غير الطريقة الشرعية.
القول الثاني: أن هذا النوع من الذبائح حرام، لأن الأصل في الحيوانات التحريم، فلا يحل شيء منها إلا بذكاة شرعية متيقنة تنقلها من التحريم إلى الإباحة، وحصول الذكاة على الوجه الشرعي في هذه اللحوم مشكوك فيه فتبقى على التحريم، لأنه اشتهر من عادتهم أو عادة أكثرهم الذبح بالخنق أو بضرب الرأس أو بالصعق الكهربائي. وهذا القول هو الذي يترجح عندي، لقوة مستنده وليس مع مخالفيه من مستند سوى التمسك بعموم قوله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ .
وهذا العموم يخصص بالنصوص التي تدل على أنه إذا تنازع حاظر ومبيح غلب جانب الحظر، وقولهم: الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل. يعارض بأصل أقوى منه، وهو أن الأصل في الذبائح التحريم إلا ما ذبح على الطريقة الشرعية. ولهذا يقول الفقهاء: لو اشتبهت ميتة بمذكاة لم يأكل من الاثنين.
وأيضا يستبعد أن تأتي الذكاة الشرعية على جميع هذه الكميات الهائلة التي تذبح وتغلف آليا، لا سيما وأنه يوجد من بينها أحيانا بعض الدجاج برءوس لم يقطع شيء من رقابها. هـ.
وقد بحث المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء برئاسة الدكتور القرضاوي هذا الموضوع، وخرج ـ بعد المناقشة والبحث الميداني واستعراض طرق الذبح المتبعة في دول الغرب ـ أن الدواجن والأبقار لا تذبح بطريقة شرعية وبالتالي، لا يحل أكلها.
وأن الأغنام والعجول الصغيرة تذبح بطريقة غير مخالفة للشريعة الإسلامية، وبالتالي يحل أكلها.
وإليك نص قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: ناقش المجلس باستفاضة تامة هذا الموضوع المهم الذي أثار كثيراً من الجدل والخلاف حول مدى شرعيته، وتوصل إلى ضرورة حرص المسلمين على الالتزام بشروط التذكية كما جاءت بها الشريعة الإسلامية، إرضاءً للرب سبحانه ومحافظة على شخصيتهم الدينية مما تتعرض له من أخطار، وصوناً لأنفسهم من تناول المحرمات.
وبعد استعراض طرائق الذبح المتبعة وما يتضمنه الكثير منها من مخالفات شرعية تؤدي إلى موت عدد غير قليل من الحيوانات، لا سيما الدجاج، فقد قرر المجلس عدم جواز تناول لحوم الدواجن والأبقار، بخلاف الأغنام والعجول الصغيرة فإن طريقة ذبحها لا تتنافى مع شروط الذكاة الشرعية في بعض البلدان. هـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 128816.
والله أعلم.