الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أوضحنا مذهب المالكية مفصلا في هذه المسألة في الفتوى رقم: 75637، وخلاصتها أن من لازمه الحدث كل الوقت أو نصفه أو جله فهو مصاب بالسلس، ولا يلزمه الوضوء لكل صلاة، ولكن يستحب له ذلك ما لم يشق عليه ، ومن كان مستنكحا بالحدث بحيث يصيبه الحدث ولو مرة في اليوم فإن حدثه هذا ناقض للوضوء لكونه لم يصل إلى حد السلس، ولكن لمشقة الاحتراز وصعوبة التحفظ فإنهم يسهلون في أمر التطهر من تلك النجاسة، ويرون أنه لا يلزم الاستنجاء منها ولا تطهير الثياب، بل يعفى عنها في البدن والثوب.
قال في منح الجليل: وعفي بضم فكسر أي سومح وتجوز عما أي كل نجاسة يعسر أي يصعب ويشق الاحتراز عنه وهذه قاعدة كلية ومثل لها للإيضاح فقال: كحدث أي خارج معتاد من مخرج معتاد كبول ومذي وودي ومني وغائط رقيق ونعت حدث بمستنكح بكسر الكاف أي خارج بغير اختيار الشخص ملازم له كل يوم مرة فأكثر أصاب البدن أو الثوب. انتهى.
ولكن هذا الحدث وإن عفي عنه في باب إزالة النجاسة فإنه لا يعفى عنه في باب نقض الوضوء؛ لأنه لم يصل إلى حد السلس، وقد بينا وجه تفريقهم بين نقض الوضوء وإزالة النجاسة في الفتوى المشار إليها فانظرها، وبه تعلم أن من كان مستنكحا بالحدث يجب عليه الوضوء كلما أراد الصلاة أو غيرها مما يجب له الوضوء، إذا كان محدثا، ولا يكفيه أن يتوضأ بعد دخول الوقت، لأنه في باب نقض الوضوء كغير المستنكح، وعليه.. فهذا الذي تخرج منه قطرات البول في جميع الوقت صاحب سلس لا يلزمه الوضوء لهذا الخارج عند المالكية، وأما قطرات المذي التي تصيبه في اليوم مرة على الأقل فعندهم أنه لا يجب تطهيرها، وإن وجب الوضوء منها، ومذهب المالكية ليس هو الراجح عندنا في المسألتين كلتيهما، بل يجب على صاحب السلس أن يتوضأ لوقت كل صلاة، وأن يتحفظ بشد خرقة أو نحوها على الموضع تحرزا من انتشار النجاسة في ثوبه، ويجب على من أصاب ثوبه نجاسة أن يزيلها، ولا يعفى عنها إلا عند العجز عن إزالتها، وقد بينا أن اجتناب النجاسة في الصلاة شرط مع العلم والقدرة، وذلك في الفتوى رقم: 111752.
والله أعلم.