الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يجعل الناس بعضهم لبعض فتنة، وتصديق ذلك قوله سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان:20}.
ولا شك أن هذا الشخص مبتلى من جهات عدة، فهو مبتلى من جهة تصرفات أخته غير المستقيمة ومبتلى من جهة انحياز والديه لأخواته وتفضيلهن عليه، وليس هناك علاج للفتنة أنجع ولا أنفع من الصبر، يقول ابن القيم ـ رحمه الله: فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة، فالفتنة كير القلوب ومحك الإيمان وبها يتبين الصادق من الكاذب. انتهى.
وليعلم هذا الابن أن أعظم ما يكسبه في الدنيا هو رضوان الله وطاعته ومن أعظم أسباب ذلك بر الوالدين والإحسان إليهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: رضا الرب من رضا الوالد وسخط الرب من سخطه. رواه الترمذي وغيره، وصححه الألباني.
ولا شك أن ما يفعله بعض الوالدين من تفضيل البنات على الابن غير جائز، لأن العدل بين الأولاد واجب على ما بيناه في الفتوى رقم: 80025.
لكنا لا نرى أن هذه الصور التي ذكرت في السؤال كلها من باب التفضيل فلو أن البنات قد أهدين إلى أمهن هدية وأرادت الأم مكافأتهن على ذلك بهبة الذهب لهن مثلاً فلا يعتبر هذا من قبيل التفضيل، وكذلك الأب إذا رأى أن المصلحة تقتضي أن يتألف بعض أولاده بمال لسبب ما كأن يستصلحه أو يكف شره فلا يعد هذا من قبيل التفضيل وإن كان الأولى أن يسوي بينه وبين باقي إخوته خصوصاً إذا كان قادراً، مع التنبيه على أن هذا المسلك الذي يسلكه الأب مع ابنته وهو أن يجيبها إلى كل ما تطلبه ويستجيب لابتزازها له وتهديدها له بالانتحار ونحوه مسلك غير قويم خصوصاً إذا تضمن إعانتها على المعصية كتلك النقود التي تقترضها من البنوك فإنها غالباً ما تكون بالربا الصريح، وهذا المسلك لن يكف شرها كما يتوهم الأب، بل سيؤدي ـ في الغالب ـ إلى مزيد من التمرد والإنحراف عن الجادة.
أما ما يريد الأب من بيع شقته وإعطائها لابنته الكبرى وحدها فهذا غير جائز وهو حرام كما سبق بيانه في الفتوى المحال عليها آنفاً، لأنه إذا كان سائر بناته قد رضين بهذا وتنازلن عن حقهن فإن ابنه لم يتنازل عن حقه في ذلك، فعلى الأب أن يتقي الله ربه ويعدل بين أولاده ويتجنب الظلم وتفضيل بعضهم على بعض ـ فهذا مع كونه معصية لله ـ فإن له آثاراً سيئة على علاقة الإخوة بعضهم ببعض، فإذا انضم إلى ذلك القصد إلى حرمان ابنه من الميراث فهنا يزيد الإثم ويعظم الذنب.
ولكننا ننبه على أن حيف الأب على بعض أولاده لا يسوغ للابن أن يرد الإساءة بمثلها، بل عليه بالصبر ومداومة البر لوالديه، فإن برهما واجب على كل حال، وعليه أن يلتمس العذر لهما في مثل هذه التصرفات فإنهما غالباً ما يفعلان ذلك بسبب جهلهما بالحكم الشرعي، فعلى الابن أن ينصح لهما ويبين لهما الحكم الشرعي بحكمة ورفق، فإن استجابا لذلك فهو خير، وإن لم يستجيبا فليفوض أمره لربه ويلزم برهما، وقد قال الله تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
فإذا كان بذل المعروف إليهما مطلوباً شرعاً مع (شركهما ودعوتهما للشرك) فمن باب أولى مصاحبة المسلم المقصر بالمعروف، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 50959.
والله أعلم.