الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأول ما نبدأ به أن نوصيك بالصبر على أمك والتغاضي عن هفواتها وأخطائها فحقها عليك عظيم، ومهما فعلت من بر بها وإحسان إليها فلن توفيها حقها وهذا المعنى لا بد أن يستقر في قلبك ووجدانك. ولكن لا شك أن ما تقوم به أمك من هذه الأمور التي ذكرت هو خطأ كبير فإن التجسس والتشنيع على المسلمين بغير حق لا يجوز بل هو من الكبائر، وخروجك من بيت والديك واستقلالك في شقة خاصة بك محض حق لك ولزوجتك ولا يجوز لأمك أن تعترض عليها في ذلك ولا يعد هذا من العقوق على ما بيناه في الفتوى رقم: 34802.
وأما ما تذكر من إعطائك راتبك لهم فهذا عمل فاضل جليل ونسأل الله سبحانه أن يجعله في ميزان حسناتك، ولكن ينبغي أن تعلم أن أولى الناس بنفقتك هم زوجتك وأولادك فلا يجوز لك أن تضيعهم، ووالداك إن كان غنيين موسرين فلا يجب عليك أن تعطيهم من مالك شيئاً إلا على سبيل الندب والاستحباب، أما إن كانا محتاجين فقد وجب عليك وعلى إخوتك الموسرين سد حاجتهما بعد نفقة أزواجكم وأولادكم، وقد بينا هذا في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 127709، 20338، 58374.
أما عن طاعة الوالدين فإنها واجبة في المعروف فيما لا ضرر فيه على الولد، لكن أوامر الوالدين التي تجري مجرى التعنت والعناد بلا مصلحة لهما فيها لا يجب على الولد الاستجابة لها، خصوصاً إذا لحقه من ذلك ضرر. قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله: وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه أخذاً مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة فلا يلتفت له الولد في ذلك... انتهى.
وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 76303، 100055، 78855 ففيها ضوابط وجوب طاعة الوالدين مفصلة.
وما دمت تؤدي حقوق والديك كاملة وتبالغ في برهما والإحسان إليهما فلا يضرك ما تشنع به عليك أمك من دعوى العقوق والإساءة، وأكثر من الدعاء لها بظهر الغيب أن يهدي الله قلبها ويصلح بالها، ونذكرك بأن إساءة الوالدين أو أحدهما إلى الابن لا يسقط حقهما في البر والصلة، كما بينا ذلك في الفتويين: 21916، 38247.
والله أعلم.