الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهنيئا لك بإنعام الله سبحانه عليك بالتوبة والإقبال عليه والالتزام بدينه، ونسأل الله أن يثبتا وإياك على الحق ويزيدنا جميعا هدى وتقى.
واعلم أن ما تسأل عنه قد سأل عنه الصحابة ـ أيضا ـ من قبل، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.
فما تتعرض له من الوساوس أمر مألوف وقوعه للتائبين حديثا ولغيرهم، فإن الشيطان يكره للإنسان أن يعود إلى ربه، فيحاول أن يصرفه عن صراط الله بكل ما يستطيعه، فهو بمنزلة قاطع الطريق على السائرين إلى الله، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 127463.
ثم اعلم أنك غير مؤاخذ بحديث النفس طالما لم تعقد قلبك عليه وتعمل بموجبه، لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم. متفق عليه.
واعلم أن النفس توسوس كما أن الشيطان يوسوس، وقد سبق الكلام على الفرق بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس ووسائل دفعهما في الفتويين رقم: 119024، ورقم: 114571، وما أحيل عليه فيهما من فتاوى.
وأما ما تذكر من تنازع خواطر الشر والخير في قلبك فهذا يحصل في قلب المؤمن، والنجاة في الانحياز إلى خاطر الخير، ففي سنن الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان: فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك: فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة: 268}. صححه الألباني في هداية الرواة والنصيحة، وصحيح موارد الظمآن. المراد باللمة: ما يقع في القلب من وسوسة أو إلهام.
قال الطيبي: واعظ الله هو لمة الملك في قلب المؤمن.
فيض القدير.
والله أعلم.