الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمراد السائل غير واضح، والذي فهمناه من السؤال أن الطبيب السائل يأتيه مرضى من خارج شركته التي يعمل معها، وأنه يكذب أحياناً مخافة الضرر على نفسه، والذي قد يصل إلى القتل. فإن كان كذلك فبداية لا بد من التنبه إلى أن السائل أجير خاص عند المؤسسة التي يعمل معها، ولا يجوز له الخروج عن نظامها وما تعاقد عليه معها، فإن كان نظامها لا يسمح بصرف العلاج إلا لفئة معينة فيجب الالتزام بذلك، وراجع في هذا الفتوى رقم: 118294.
وإن خاف على نفسه ضرراً فإنه لا يجوز له اللجوء للكذب ما دام يقدر على استخدام المعاريض لتفادي ذلك، والمعاريض جمع معراض، وهو ذكر لفظ محتمل يفهم منه السامع خلاف ما يريده المتكلم، وراجع في ذلك الفتويين: 29954، 127200.
فإن لم يستطع دفع الضرر عن نفسه إلا بالكذب جاز له ذلك للضرورة، وحد الضرورة أن يغلب على الظن وقوع المرء بسببها في الهلكة، أو أن تلحقه بسببها مشقة لا تحتمل.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: الكذب ليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضرر، والكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن أن يتوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح إذا كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إذا كان المقصود واجباً.... إلا أنه ينبغي أن يحترز عنه ويوري بالمعاريض مهما أمكن. انتهى.
وراجع في ذلك الفتويين: 110606، 116455.
والله أعلم.