الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في تحديد الرحم التي أمر الشرع بصلتها ورتب على ذلك الثواب العظيم في الدنيا والآخرة فذهب الحنفية والمالكية ـ في قول ـ إلى أنها كل رحم محرم، وقالوا: هذا الذي ينضبط، ولو قيل كل رحم للزم صلة جميع بني آدم، ورجح هذا القول القرافي في الفروق.
وذهب المالكية ـ في المشهور عنهم ـ ونص عليه أحمد إلى أن الرحم التي يجب وصلها هي كل رحم محرم وغير محرم، لأن الله أمر بصلة الأرحام، ولم يرد ما يخصها بالرحم المحرم ورجح هذا القول النووي في شرحه على مسلم.
ويمكن الجمع بين القولين بأن الرحم المحرمية يجب أن توصل ويحرم أن تقطع، والرحم غير المحرمية يكره أن تقطع ويندب أن توصل، وقد بينا هذا في الفتاوى التالية أرقامها: 18400، 11449، 44059.
وعلى ذلك، فلا يعتبر أهل زوجتك ـ بهذا الوصف فقط ـ من الأرحام الذين تجب صلتهم، ولكن يندب لك صلتهم على كل حال وذلك لسببين:
الأول: أنهم وإن لم تكن لهم رحم خاصة، فإن لهم رحم الإسلام العامة، يقول القرطبي ـ رحمه الله: الرحم على وجهين: عامة وخاصة، فالعامة: رحم الدين، ويجب مواصلتها بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم والنصيحة وترك مضادتهم والعدل بينهم والنصفة في معاملتهم والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى وحقوق الموتى من غسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.
وأما الرحم الخاصة فهي: رحم القرابة من طرفي الرجل ـ أبيه وأمه ـ فتجب لهم الحقوق الخاصة وزيادة كالنفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب.
انتهى كلامه ـ رحمه الله.
الثاني: أن لهم حقاً زائداً عن غيرهم بسبب المصاهرة، والرسول صلى الله عليه وسلم قد وصى بالأصهار، فقال فيما رواه مسلم وغيره: إنكم ستفتحون أرض مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحما، أو قال: ذمة وصهراً.
فدل هذا على أن الإحسان إلى الأصهار مطلوب.
والله أعلم.