الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي ننصح به الكفلاء والمستأجرين أن يجتهدوا في إعانة مكفوليهم وأجرائهم على طاعة الله عز وجل، وألا يحولوا بينهم وبين ما يقربهم إلى الله تعالى كالحج، وبخاصة إذا لم يكن عليهم ضرر في الإذن لهم بالحج، وليعلموا أنهم مأجورون على ذلك أجرا عظيما وأن الله تعالى سيثيبهم ويخلف عليهم.
والظاهر أن الكفيل لا يلزمه منحكم هذه التصاريح إذا كان يخشى على العمل الذي استأجركم من أجله، فقد نص الفقهاء على أن للمستأجر منع الأجير من شهود الجمعة إذا خشي على عمله الفساد.
كما قال الشيخ زكريا في أسنى المطالب: زمن الطهارة والصلاة المكتوبة ولو جمعة والراتبة مستثنى في الإجارة لعمل مدة فلا تنقص من الأجرة شيئا. قال الأذرعي: والظاهر أن المستأجر لا يلزمه تمكينه من الذهاب إلى المسجد للجماعة في غير الجمعة، ولا شك فيه عند بعده عنه فإن كان بقربه جدا ففيه احتمال اللهم إلا أن يكون إمامه ممن يطيل الصلاة فلا، وعلى الأجير أن يخفف الصلاة مع إتمامها ثم محل تمكينه -أي الأجير- من الذهاب إلى الجمعة إذا لم يخش على عمله الفساد وهو ظاهر. انتهى.
قال الهيتمي في شرح المنهاج معلقا على هذا الكلام: ومفهومه أنه إذا خشي على عمله الفساد لا يلزمه تمكينه. اهـ.
ونص الحنابلة على أن المستأجر لا يلزمه تمكين الأجير من شهود الجماعة مع أنهم يقولون بوجوبها على الأعيان.
قال في مطالب أولي النهى: قال الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ النَّصِّ يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ إذْن, سَوَاءٌ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِمُسْتَأْجِرٍ; بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ,أَوْ لَا; بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ. انتهى.
ويؤخذ من هذا أنه إذا كان له منعه من شهود الجمعة إذا خشي على عمله الفساد ومنعه من شهود الجماعة إلا بشرط فأولى أن يكون له منعه من الحج مع طول مدته بالنسبة لما ذكر، وأما إذا كان المستأجر لا يخاف الفساد على عمله فالظاهر أنه لا يجوز له منع مكفوله المستطيع من الحج لأن الفقهاء صرحوا بحرمة منع الزوج لزوجته من الحج اذا توفرت شروط الاستطاعة.
ففي مطالب النهى للرحيباني: وحرم على الزوج منعها من حج فرض كملت شروطه كبقية الواجبات.
ومن المعلوم أن الطاعة والحجر على الزوجة أعلى شأنا من الأجراء، ثم إذا أبى الكفيل أو المستأجر منح المكفول تصريحا بالحج فإن الحج لا يلزمه لعدم استطاعته الوصول إلى البيت، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، والحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلا، فإذا لم تستطيعوا السبيل للحج لرفض الكفيل منحكم تصريحا بالحج فليس عليكم إثم، ولكنه إن كان بإمكانكم تحصيل عمل آخر، فالواجب عليكم ترك العمل حينئذ والذهاب للحج، إن تأكدتم من إمكانية حصول التصريح إذا استقلتم من العمل لأن الراجح من أقوال أهل العلم وجوب المبادرة إلى الحج عند توافر الاستطاعة.
أما اذا خشيتم عند طلب الاستقالة أن يمنعكم المستأجر التصريح ويسفركم فلا يجب التفريط في عملكم طلبا للحج الذي لم تتوفر استطاعته، وكذا إن كان في ترككم العمل ضرر بحيث إذا تركتموه لا تستطيعون إيجاد بديل يمكنكم من خلاله أن توفروا منه مستلزمات ضروريات وحاجيات الحياة لأنفسكم ومن تعولون، فإنكم والحالة هذه معذورون في ترك الحج ما دمتم كذلك.
والله أعلم.