الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنهنئك ـ أولاً ـ على قيامك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد أمر الله تعالى بذلك، حيث قال: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {آل عمران:103}.
وقال تعالى مخاطباً هذه الأمة: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ {آل عمران:110}.
وقد أحسنت صنعاً بنصح أهلك وإخوتك وصديقاتك بترك الغيبة والاستماع للأغاني المحرمة، فتغيير المنكر واجب على كل مسلم ـ حسب الاستطاعة ـ فيغيره بيده إن قدر على ذلك، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه قال رسول الله صلى الله: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
وإنكار المنكر من فروض الكفاية وقد يكون فرض عين كرؤية المسلم منكراً في موضع لا يعلم به غيره مثلاً: قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو. انتهى.
ولا يخلو كلامك من تناقض فقد ذكرت أنك قد أصبت بالملل من نصح أهلك، لأنهم لا يستمعون إلى نصيحتك وذكرت بعد ذلك بقليل أنهم في أكثر الأحيان يمتثلونها.
وننصحك بالصبر على أهلك ونصحهم برفق وحكمة ولا يكفي ذلك مرة واحدة، بل واصلي نصحهم مراراً ـ حسب الاستطاعة ـ لأن تغيير المنكر واجب على الدوام حسب طاقة الشخص، ثم إذا سمعت صديقتك تسخر من معلمة أو غيرها وجب عليك أن تنصحيها وتحذريها من خطورة ما تكلمت به، فإن لم تمتثل وجب عليك الابتعاد عن ذلك المجلس، وإلا كنت شريكة في الإثم، قال القرطبي في تفسيره: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: إنكم إذا مثلهم. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء. وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. انتهى.
وأخيراً ننبه على أن قولك ـ لإرضاء روح الله ـ عبارة غير صحيحة، فالروح ليست من صفات الله تعالى، وليس لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا أحد أعلم بالله من الله تعالى، ولا مخلوق أعلم بخالقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإضافة الروح إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح: فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق، كقوله تعالى: بيت الله، وناقة الله، وعباد الله، بل وكذلك روح الله، عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم، ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل: كلام الله وعلم الله، ويد الله، ونحو ذلك، كان صفة له. انتهى.
والله أعلم.