الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الكراج قد صار مسجدا موقوفا بوقف مالكيه له باللفظ أو بالكتابة مع النية، أو بإذن مالكيه للناس بالصلاة فيه إذنا عاما، جاء في الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم: ويصح الوقف بالقول وبالفعل الدال عليه عرفا ـ أي ويصح الوقف بالفعل الدال على الوقف عرفا ـ كالقول، لاشتراكهما في الدلالة على الوقف كمن جعل أرضه مسجدا وأذن للناس في الصلاة فيه إذنا عاما ولو بفتح الأبواب وهو على هيئة المسجد وكتابة لوح بالإذن أو الوقف، أو أدخل بيته في المسجد وأذن فيه، لأن العرف جار بذلك، فدل على الوقف، أو أذن فيه وأقام أي بما بناه على هيئة المسجد صار موقوفا بالفعل الدال عليه عرفا، قال الشيخ: ولو نوى خلافه. انتهى.
وعليه، فمن شاء أن يصلي في هذا المسجد فلا حرج عليه، وقد تكون صلاتهم فيه أولى، لكونه أقدم من المسجد الآخر، وقد نص الفقهاء على أن من المرجحات في اختيار المسجد الأولى بالصلاة فيه كون المسجد عتيقا، قال في كشاف القناع ـ بعد عد بعض هذه المرجحات: ثم المسجد العتيق، لأن الطاعة فيه أسبق. انتهى.
وننبه ههنا إلى أنه لا ينبغي تكثير المساجد في المحلة الواحدة لغير حاجة، لما في ذلك من تفريق المسلمين.
وعليه، فلم يكن ينبغي إقامة هذا المسجد الثاني إلا إذا كان المسجد الأول يضيق بالمصلين وكانت بهم حاجة إلى إقامة غيره، قال القرطبي ـ رحمه الله: قال علماؤنا: لا يجوز أن يبني مسجدا إلى جنب مسجد، ويجب هدمه والمنع من بنائه، لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغرا، إلا أن تكون المحلة كبيرة، فلا يكفي أهلها مسجد واحد فيبني حينئذ. انتهى.
والله أعلم.