الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطلاق الرجل زوجته وهي حائض محرم بالكتاب والسنة وإجماع علماء المسلمين، وليس بين أهل العلم نزاع في تحريمه، وأنه من الطلاق البدعي المخالف للسنة، والسنة لمن أراد أن يطلق زوجته: أن يوقع الطلاق في طهر لم يمسها فيه، أو يطلقها حاملاً قد استبان حملها.
فإن طلقها في حيضها، أو في طهر جامعها فيه، فهل يقع طلاقه أو لا يقع؟ اختلفوا في ذلك: فأكثر أهل العلم على أن الطلاق واقع مع تأثيم فاعله، وبه يقول الأئمة الأربعة ـ أصحاب المذاهب المتبوعة. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى حرمة ذلك وعدم وقوع الطلاق, والراجح ـ المفتى به عندنا ـ هو قول الجمهور القائلين بوقوع الطلاق، وقد بينا وجه رجحانه في الفتوى رقم: 8507.
أما اتفاقهما على تثبيت الطلاق فلا ندري ما وجهه, فإن كان القصد من ذلك اتباع مذهب من قال بالوقوع، فهذا هو الصواب، لأنه هو الراجح، والعمل بالراجح واجب, جاء في فتح العلي المالك: فالعمل بالراجح متعين عند كل عالم متمكن، وإذا اطلع المقلد على خلاف في مسألة تخصه وفيها قول راجح بشهرة أو عمل أو غيرهما تعين عليه العمل على الراجح. انتهى.
وقد كان الواجب على الزوج إذ أوقع الطلاق في الحيض والتبس عليه الأمر أن يستفتي من يثق فيه من أهل العلم والدين ويعمل بفتواه.
ولا خلاف بين أهل العلم أن نفقة هؤلاء الأطفال وسكناهم واجبة على أبيهم، إذا لم يكن لهم مال خاص، أما إن كان لهم ما يخصهم من مال، فإن نفقتهم في مالهم الخاص، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 96764.
أما بخصوص سكنى أمهم: فالراجح من كلام أهل العلم هو وجوب سكنى الحاضن على من وجبت عليه نفقة المحضون إذا لم يكن لها مسكن خاص بها, وفي ذلك يقول ابن عابدين ـ الحنفي: والحاصل أن الأوجه لزوم أجرة المسكن على من لزمه نفقة المحضون، فإن السكن من النفقة، لكن هذا إن لم يكن لها مسكن، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعاً لها، فلا تجب الأجرة، لعدم احتياجه إليه. انتهى. وقال ـ أيضاً: فينبغي أن يكون هذا توفيقاً بين القولين، ولا يخفى أن هذا هو الأرفق للجانبين، فليكن عليه العمل. انتهى. ويقول ـ أيضا: القول بوجوب أجرة المسكن ليس مبنيا على وجوب الأجر على الحضانة، بل على وجوب نفقة الولد، فقد تكون الحاضنة لا مسكن لها ـ أصلاً ـ بل تسكن عند غيرها، فكيف يلزمها أجرة مسكن لتحضن فيه الولد؟ بل الوجه لزومه على من تلزمه نفقته، فإن المسكن من النفقة. انتهى.
أما عن رفضه تثبيت الطلاق في المحكمة: فهذا يمكن علاجه بأن ترفعي الأمر إلى المحكمة لترى أمرها في ذلك. وقد كان الواجب عليك إذ امتنع الأب عن الإنفاق على أولاده وإسكانهم أن ترفعي أمرهم إلى المحكمة ليحكم عليه القاضي بذلك ويلزمه بالنفقة, لا أن ترسليهم إليه، لأن الحضانة في الأصل حق لك, فإذا تنازلت عنها لسبب ما، فإنها تنتقل إلى أمك ثم من بعدها على الترتيب المعروف في كتب الفقهاء والمذكور في الفتوى رقم: 6256.
إلا إذا كانوا قد تجاوزوا سن الحضانة، فلا حرج عليك حينئذ, وراجعي كلام أهل العلم في السن التي تنتهي إليها الحضانة في الفتوى رقم: 6256.
وفي النهاية ننبهك على أمرين:
الأول: لا حرج عليك في الزواج حتى وإن أدى ذلك إلى ترك حضانة الأطفال.
الثاني: عليك أن تمتنعي من مراسلة والد أطفالك، لأنها ذريعة للشر وفتح لأبواب الشيطان، وليكن التعامل معه في شأن مصلحة الأولاد بواسطة بعض النساء، إما من أرحامه ـ النساء ـ أو أرحامك ـ الرجال ـ أو نحو ذلك. وتراجع الفتويان: 24435 ، 65103.
والله أعلم.