الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أنه من الممكن أن يحصل ما ذكره السائل، وإن كان في ذلك من المشقة ما لا ينفك عنه سائر التكاليف الشرعية، من حيث المبدأ لا من حيث القدر، فإن المشقة تتفاوت بلا شك، ولذلك جاء مدح الشاب الناشئ في العبادة، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل .. الحديث. متفق عليه.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة.
قال الهيثمي في (المجمع): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وإسناده حسن. اهـ.
وقال السخاوي في (المقاصد الحسنة): سنده حسن، وضعفه شيخنا ـ يعني ابن حجرـ في فتاويه لأجل ابن لهيعة. اهـ. ورواه ابن المبارك في الزهد من وجه آخر موقوفا، قال أبو حاتم الرازي: إنما هو موقوف. اهـ.
أما بالنسبة للترخيص في ذلك للضرورة، فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فراجعه في الفتوى رقم: 130812.
ثم ليعلم السائل الكريم أن هناك من أهل العلم المعروفين بالصلاح والتقوى والورع، من لم يتزوج إلى أن مات، كالإمام النووي وشيخ الإسلام ابن تيمية. وليس هناك فرق من حيث المشقة بين أمثال هؤلاء، وبين من لم يتزوج لعدم القدرة المادية على الزواج، وإنما الفارق بينهم ـ بعد توفيق الله تعالى وهدايته وعنايته ـ في تفاوت الهمم وتباين الاهتمامات. ولذلك نقول: إن الاستعفاف عن هذا الفعل مخافة الله وطلبا لمرضاته وإن وجد العبد فيه مشقة في البداية إلا أن تيسير الله وهدايته للمتقين من عباده تلحقه بعد ذلك لا محالة، ومصداق ذلك في كتاب الله، قوله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. {العنكبوت: 69}. وعموم قوله سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا. {الطلاق:2-3}. ومصداقه في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: من يستعفف يعفه الله. متفق عليه.
وقوله: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقوله: من يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. رواه الدارقطني والخطيب، وحسنه الألباني.
والله أعلم.