الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما قرأته من جواز صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء هو القول الراجح في المسألة، وإن كان في المسألة خلاف مشهور، وقد اختلف الشافعية أنفسهم في حكم هذه المسألة وهي من يصلي صلاة خلف من يصلي أكثر منها في العدد، والأصح عندهم الصحة، ولا تتعين مفارقة الإمام إذا قام للركعة الزائدة على ركعات المأموم، بل يجوز للمأموم أن ينتظره جالسا حتى يفرغ من صلاته ويسلم بسلامه وهو أفضل لكن يرجح الشافعية انتظاره في السجود لا في جلوس التشهد فيبقى ساجدا حتى يدركه الإمام في سجود فيقوم معه ثم يتشهد معه ويسلم بسلامه.
قال النووي رحمه الله مبينا ما ذكرناه: وإن كان عدد ركعات المأموم أقل كمن صلى الصبح خلف رباعية أو خلف المغرب أو صلي المغرب خلف رباعية ففيه طريقان حكاهما الخراسانيون (أصحهما) وبه قطع العراقيون جوازه كعكسه (والثانى) حكاه الخراسانيون فيه قولان (أصحهما) هذا (والثانى) بطلانه لأنه يدخل في الصلاة بنية مفارقة الإمام فإذا قلنا بالمذهب وهو صحة الاقتداء ففرغت صلاة المأموم وقام الإمام إلى ما بقى عليه فالمأموم بالخيار ان شاء فارقه وسلم وإن شاء انتظره ليسلم معه والأفضل انتظاره انتهى.
ومنشأ الخلاف في المسألة هو هل يشترط اتحاد النية بين الإمام والمأموم أو لا يشترط؟ فمن اشترط ذلك منع من هذه الصورة وغيرها كأن يصلي الفرض خلف من يصلي النفل وأن يصلي فرضا خلف من يصلي فرضا آخر، ومن لم يشترط ذلك ورأى عدم نهوض الدليل على الاشتراط صحح هذه الصورة.
قال العلامة ابن باز رحمه الله: إذا دخلت المسجد وصلاة العشاء مقامة، ثم تذكرت أنك لم تصل المغرب، فادخل مع الجماعة بنية صلاة المغرب، وإذا قام الإمام إلى الركعة الرابعة فاجلس أنت في الثالثة واقرأ التشهد الأخير - أعني التحيات والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - والدعاء بعدها وانتظر الإمام حتى يسلم ثم تسلم معه، ولا يضر اختلاف النية بين الإمام والمأموم على الصحيح من أقوال أهل العلم . انتهى.
ولو اختار المأموم مفارقة الإمام فإنه لا إشكال في ذلك، فقد ثبت في السنة جواز مفارقة الإمام للعذر، وذلك لخبر الرجل الذي فارق معاذا وصلى لنفسه حين طول معاذ الصلاة، وهو ثابت في الصحيح.
قال النووي رحمه الله: واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أنه يجوز للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا وإن لم يخرج منها وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها أنه يجوز لعذر ولغير عذر والثاني لا يجوز مطلقا والثالث يجوز لعذر ولا يجوز لغيره انتهى.
والقول بأن جواز المفارقة مخصوص بالعذر هو مذهب الحنابلة، فمن رأى صحة صلاة المغرب خلف من يصلي العشاء، وجوز للمأموم المفارقة فهذا عنده من الأعذار المبيحة للمفارقة، وبهذا يتبين لك دليل القائلين بجواز المفارقة في الصورة المذكورة، وأما الآية التي ذكرتها فلم نفهم مرادك من إيرادها وهي متعلقة بصلاة الخوف وبيان كيفيتها، وهذا بحث آخر، وإذا دخل المأموم بنية المغرب مع من يصلي العشاء وهم في الركعة الثانية فإنه يسلم بسلام الإمام لأنه يكون قد أتم صلاته بفراغ الإمام من صلاته، وأما إذا دخل معهم بنية العشاء فلا بد من أن يأتي الركعة بعد فراغ الإمام من صلاته لأنه لم يصل إلا ثلاث ركعات، وقد ثبت في الحديث:فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا.
وسواء كان المأموم مقيما أو مسافرا فإن عليه أن يأتي بتلك الركعة وننبه إلى أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم وإن كان لا يضر على الراجح لكن الأولى أن يحرص المأموم على موافقة الإمام في النية خروجا من خلاف العلماء، فإن كثيرا من أهل العلم لا يرون جواز ذلك.
والله أعلم.