الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلبس الرجل للملابس القصيرة والشفافة التي لا تشبه ملابس النساء في غرفة النوم أو عند الجماع لا حرج فيه أمّا لبس ملابس النساء: فلا يجوز، كما سبق أن بينّاه في الفتويين رقم:123630، ورقم:123470.
وبمراجعة هاتين الفتويين يتضح لك دليل التحريم، ثم ننبه السائل الكريم على أن كون النصوص واحدة لا يعني بالضرورة حصول الاتفاق على دلالتها أو حتى على ثبوتها، وقد كان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يسمعون المقالة الواحدة من النبي صلى الله عليه وسلم وتختلف أفهامهم فيها، ومن أشهر الأمثلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الأحزاب قال لأصحابه: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها.
وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك.
فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعنف واحدا منهم.
رواه البخاري ومسلم.
فمما اقتضته حكمة الله تعالى أن يختلف الناس في أفهامهم ومداركهم.
وقد جعل الله سبحانه كثيراً من أدلة الشريعة محتملاً لأكثر من دلالة، وذلك لحكمة بالغة، ونتيجة لذلك وقع الخلاف بين علماء المسلمين ـ الصحابة فمن بعدهم ـ في المسائل الفرعية الاجتهادية، وقد سبق أن بينا ذلك مع ذكر بعض الأسباب التي يرجع إليها اختلاف العلماء، وبيان موقف المسلم من ذلك، في الفتوى رقم: 6787.
ومع ذلك، فينبغي التنبه إلى أنه لا قول لأحد ـ كائناً من كان ـ مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ثبت دليل شرعي سالم من المعارض، فلا يجوز مخالفته بقول أحد من الناس، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الحجرات: 1}.
وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة: كان السلف يشتد عليهم معارضة النصوص بآراء الرجال، ولا يقرون المعارض على ذلك، ولقد سئل عبد الله بن عمر عن متعة الحج فأمر بها، فقيل له: إن أباك نهى عنها، فقال: إن أبي لم يرد ما تقولون، فلما أكثروا عليه قال: أفرسول الله أحق أن تتبعوا أم عمر. اهـ.
وهذا لا يتعارض مع كون العالم المجتهد ذي الأهلية مأجوراً ـ على أية حال، أصاب أو أخطأ ـ كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 130883.
والله أعلم.