الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي نراه أنّك لم تخطئ فيما فعلته مع هذا الشخص، لأنّ الظاهر أنّ الذي حملك على هذا غيرتك على الدين وبغضك للباطل وما ظهر لك من معاندة هذا الشخص ومحادته لله وإظهاره العداوة للإسلام، ففي مثل هذا الحال تقتضي الحكمة الإغلاظ لمثل هؤلاء ولا يناسبهم الكلام اللين، قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ. {العنكبوت: 46}.
قال الجصاص في أحكام القرآن: وقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ يعني والله أعلم إلا الذين ظلموكم في جدالهم أو غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم.
وقال ابن تيمية: فَمَتَى ظَلَمَ الْمُخَاطَبُ لَمْ نَكُنْ مَأْمُورِينَ أَنْ نُجِيبَهُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. مجموع الفتاوى.
لكن ننبّهك إلى أمرين:
الأول: أنه لا يجوز للمسلم أن يتحاور مع الكفار في شبهاتهم، دون أن يكون على علم يمكنه من دفع الأباطيل وبيان الحق، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 40373.
الثاني: أن رحمة المسلم لا تقتصر على المسلمين، بل تتسع حتى للكفار المعاندين، ورحمته إياهم هي التي تحمله على دعوتهم إلى الله على بصيرة والصبر على أذاهم، استنقاذا لهم من النار، ونأياً بهم عن غضب الله تعالى، وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن يتعامل به المسلم مع الكفار حين دعوتهم، وذلك يحتاج إلى صبر وهجر جميل، كما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا. {المزمل: 10}.
قال السعدي: أمره بالصبر على ما يقول فيه المعاندون له ويسبونه ويسبون ما جاء به، وأن يمضي على أمر الله، لا يصده عنه صاد، ولا يرده راد، وأن يهجرهم هجرا جميلا وهو الهجر حيث اقتضت المصلحة الهجر الذي لا أذية فيه، فيقابلهم بالهجر والإعراض عنهم وعن أقوالهم التي تؤذيه، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن. اهـ.
فإذا دعا المسلم إلى الله بعلم وحكمة وبيَّن وجه الصواب وأدى حق النصيحة، فلا يضره بعد ذلك رد كلامه والاستهزاء به والسخرية منه، وينبغي أن لا يخرجه جهل الجاهلين عن أدب الإسلام في الدعوة إلى الله تعالى، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، وعلى أية حال فقد سبق لنا بيان أساليب الحوار مع المخالفين في القرآن الكريم، في الفتوى رقم: 114663. كما تقدم لنا الكلام عن وسائل وطرق دعوة الكفار في عدة فتاوى، ومنها الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 18262، 23179، 21363، 29347.
والله أعلم.