الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فغياب الرجل عن زوجته يختلف الحكم فيه باختلاف حال الزوجة، فإن كانت الزوجة راضية بغيابه هذا فلا حرج فيه.
جاء في فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين رحمه الله: وإذا غاب الزوج عنها لطلب العيش برضاها وكانت في مكان آمن لا يخشى عليها شيئا فإن ذلك لا بأس به، لأن الحق لها فمتى رضيت بإسقاطه مع كمال الأمن والطمأنينة فلا حرج في تغيبه لمدة ثلاث سنوات أو أقل أو أكثر. انتهى.
ولكن مع هذا فلا ينبغي للزوج أن يطيل فترة غيابه عن زوجته ولو رضيت لأن هذا لا يخلو من مفاسد، ومن جميل القول في ذلك ما ذكره الشيخ عطية صقر في تلك المسألة حيث قال: إن بعد الزوج عن زوجته حتى لو وافقت عليه حياء أو مشاركة في كسب يفيدهما معا، يختلف في أثره عليها، ولا تساوى فيه الشابة مع غيرها، ولا المتدينة مع غيرها، ولا من تعيش تحت رعاية أبويها مع من تعيش وحدها دون رقيب، وإذا كنت أنصح الزوجة بتحمل بعض الآلام لقاء ما يعانيه الزوج أيضا من بعد عنها فيه مصلحتهما معا، فإني أيضا أنصح الزوج بألا يتمادى في البعد فإن الذي ينفقه حين يعود إليها في فترات قريبة سيوفر لها ولأولاده سعادة نفسية وعصمة خلقية لا توفرها المادة التي سافر من أجلها، فالواجب هو الموازنة بين الكسبين، وشرف الإنسان أغلى من كل شيء في هذه الحياة، وإبعاد الشبة والظنون عن كل منهما يجب أن يعمل له حسابه الكبير.
ولئن كان عمر رضي الله عنه بعد سؤاله حفصة أم المؤمنين بنته قد جعل أجل الغياب عن الزوجة أربعة أشهر، فإن ذلك كان مراعى فيه العرف والطبيعية إذ ذاك، أما وقد تغيرت الأعراف واختلفت الطباع، فيجب أن تراعى المصلحة في تقدير المدة، وبخاصة بعد سهولة المواصلات وتعدد وسائلها. انتهى.
أما عند عدم رضا الزوجة بذلك فإنه لا يجوز للزوج التغيب عنها إلا بإذنها ورضاها، ويستثنى من ذلك المدة التي حددها الفقهاء وأجازوا للزوج أن يتغيب فيها عن زوجته حتى وإن لم ترض. وقد بينا خلافهم في ذلك والرأي الراجح في الفتوى رقم: 125105.
ولكن ما دام غيابك عن زوجتك رغما عنك بسبب عدم قدرتك على السفر فنرجو ألا يكون عليك من ذلك حرج، ولكن عليك أن تأخذ بالأسباب التي تمكنك من السفر إلى أهلك وتفقدهم، وعليك قبل ذلك وبعده أن توفر لهم ما يحتاجون من النفقة ونحوها.
مع التنبيه على أن كثيرا من الناس يظنون أن غياب الرجل عن زوجته فترة طويلة يوجب طلاقها عليه، وهذا غير صحيح فإن المرأة لا تطلق إلا إذا طلقها زوجها، أو رفعت أمرها للقضاء لأجل الضرر فطلقها القاضي. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 122967.
والله أعلم.