الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتصورك أيها السائل صحيح في الجملة، ووجود كثير من النساء اللاتي يتفوقن على كثير من الرجال في جانب التدين والعلم والمثابرة ونحو ذلك أمر لا ينكر، ولكنه لا يتنافى مع ما تقرر من أن جنس الرجال أفضل من جنس النساء لأننا نقول أن تفضيل نوع الرجال على نوع النساء ليس المراد منه تفضيل جميع أفراد الرجال على جميع أفراد النساء، فكم من امرأة أفضل من زوجها ولكن المقصود أنهم أفضل في الجملة، وسبب التفضيل:
أن الله قد أختص الرجال ببعض الصفات التي لم تعطها النساء مثل القوة البدنية، وقوة التحمل، والجلد على القيام بالأمور وتدبير الأحوال وعدم الجزع، وتمام العقل عند ورود المشاكل والثبات عند الملمات.
وقد ترتب على هذه الصفات أن خصهم الله بتكاليف لم يكلفها النساء، مثل اختصاصهم بالنبوة والإمامة العظمى والصغرى، ومنصب القضاء والجهاد، وخطبة الجمعة والأذان والشهادة في الحدود وغير ذلك مما يستدعي تدبير الأمور والبروز للناس وتصديق ذلك في قول الله سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ. {البقرة:228}.
ولا يعني أيضا أن الرجال يستحقون الدرجات والمنزلة عند الله سبحانه لمجرد الذكورة كلا، فإن المنزلة عند الله سبحانه لا تنال إلا بالتقوى والعمل الصالح ورب امرأة واحدة تقية قانتة صالحة خير من ملء الأرض من الرجال العاصين المضيعين لأوامر الله سبحانه.
وأما باب التنافس في أعمال البر والخير وما يوصل إلى الله سبحانه فهو مفتوح على مصراعيه لجميع الناس ذكورهم وإناثهم على وفق ما شرعه الله، قال سبحانه: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ. {المطففين:26}.
يقول السعدي رحمه الله: (وفي ذلك) النعيم المقيم الذي لا يعلمه حسنه ومقداره إلا الله (فليتافس المتنافسون) أي يتسابقوا في المبادرة إليه بالأعمال الموصلة إليه، فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس، وأحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال. انتهى.
وأما تقدم الرجال بعضهم على بعض في الأفضلية والولاية، فنقول: أما الأفضلية فإنها تنال عند الله سبحانه بالتقوى والعمل الصالح قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ. {الحجرات:13}.
وقال صلى الله عليه وسلم : ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ويقول: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه. رواه مسلم.
وأما تقديمهم في الولاية فقد ذكر العلماء شروط الولاية وفصلوا القول في كتبهم وليس هذا مجال ذكرها ولكن يمكنك مراجعتها في كتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية ككتاب " غياث الأمم" لإمام الحرمين و"والأحكام السلطانية" للماوردي.
وأما القوامة على النساء فقد ذكر سبحانه موجباتها بقوله: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. {النساء:34}. فجعل الله سبحانه القوامة ثابتة للرجل بأمرين:
الأول: ما وهبه الله من صفات التفضيل والتي سبق بيانها
والثاني: بإنفاقه على المرأة من بذل المهر وسائر النفقات والحقوق التي أوجبها الله عليه لها في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولذلك إذا أعسر الرجل بالنفقة جاز للمرأة الفسخ على الراجح لخروج النكاح عن مقصوده.
جاء في تفسير الألوسي لهذه الآية: واستدل بها أيضا من أجاز فسخ النكاح عند الإعسار عن النفقة والكسوة وهو مذهب مالك والشافعي لأنه إذا خرج عن كونه قواما عليها، فقد خرج عن الغرض المقصود بالنكاح. انتهى.
والله أعلم.