الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كلام الزوج المذكور لزوجته يحتمل أنه فوضها في طلاق نفسها وجعل العصمة بيدها، ويحتمل أنه أراد بكلامه تخيير الزوجة في فعل ما تهدد به من الذهاب إلى المحكمة، وعلى الاحتمال الأول فهذا الذي قاله الزوج لا يعتبر طلاقاً بمجرده إلا إذا كان قد نوى به طلاقها فإنه يقع حينئذ.
قال ابن قدامة في مسألة قول الزوج لزوجته (أمرك بيدك): ولا يقع الطلاق بمجرد هذا القول ما لم ينو به إيقاع طلاقها في الحال أو تطلق نفسها، ومتى ردت الأمر الذي جعل إليها بطل ولم يقع شيء في قول أكثر أهل العلم .... فأما إن نوى بهذا تطليقها في الحال طلقت في الحال ولم يحتج إلى قبولها كما لو قال حبلك على غاربك. اهـ من المغني.
وقال ابن قدامة أيضا: ... ومتى جعل أمر امرأته بيدها فهو بيدها أبداً لا يتقيد ذلك بالمجلس روي ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الحكم وأبو ثور وابن المنذر، وقال مالك والشافعي وأصحاب الرأي هو مقصور على المجلس ولا طلاق لها بعد مفارقته...
وقال: فإن رجع الزوج فيما جعل إليها أو قالت فسخت ما جعلت إليك بطل وبذلك قال عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والأوزاعي وإسحاق، وقال الزهري والثوري ومالك وأصحاب الرأي ليس له الرجوع.. وقال: وإن وطئها الزوج كان رجوعاً لأنه نوع توكيل والتصرف فيما وكل فيه يبطل الوكالة، وإن ردت المرأة ما جعل إليها بطل كما تبطل الوكالة بفسخ الوكيل. المغني.
وعلى الاحتمال الثاني وهو أنه قصد تخييرها في الذهاب إلى المحكمة لطلب الطلاق عن طريق القاضي فهذا لا يقع به طلاق، وما دامت المسألة محتملة ومختلف فيها بين العلماء فالأولى الرجوع للمحكمة الشرعية لأن حكم القاضي يرفع الخلاف.
والله أعلم.