الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه ينبغي عرض هذا السؤال على المحكمة الشرعية ببلدكم، فهي أولى من يطلب منه الحكم فيه، ولكن بناء على رغبتكم وحسن ظنكم فينا نقول في جواب هذا السؤال أنه تضمن أموراً نجمل الجواب عنها فيما يلي:
أولاً: أما الذرية فهم أولاد الرجل وبناته وأولاد أولاده وإن سفلوا، ويدخل فيهم أولاد البنات على الراجح، وهي رواية عن أحمد اختارها جمع منهم صاحب الشرح الكبير: والرواية الأخرى: لا يدخلون، وهي المذهب، واختارها أكثر الأصحاب، قال في الإقناع وشرحه: وإن وقف إنسان على عقبه، أو عقب غيره أو نسله، أو ولد ولده أو ذريته، دخل فيه -أي الوقف- ولد البنين وإن نزلوا، لتناول اللفظ لهم، ولا يدخل فيه ولد البنات بغير قرينة، لأنهم لا ينتسبون إليه كما تقدم، وعنه: يدخلون، قدمها في المحرر والرعاية، واختارها أبو الخطاب في الهداية لأن البنات أولاده، وأولادهن أولاده حقيقة، لقوله: ومن ذريته داود. إلى قوله: وعيسى. وهو ولد بنته، وقوله صلى الله عليه وسلم: إن ابني هذا سيد. يعني: الحسن، الحديث رواه البخاري قال في الشرح: والقول بدخولهم أصح وأقوى دليلاً. انتهى من الإقناع وشرحه.
وقال في الإنصاف: ونقل عنه في الوصية: يدخلون، وذهب إليه بعض أصحابنا، وهذا مثله، قلت: بل هي هنا رواية منصوصة من رواية حرب، قال في القواعد: ومال إليه صاحب المغني، وهي طريقة ابن أبي موسى والشيرازي، قال الشارح: القول بأنهم يدخلون أصح وأقوى دليلاً، وصححه الناظم واختاره أبو الخطاب في الهداية في الوصية، وصاحب الفائق، وجزم به في منتخب الآدمي، وقدمه في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته. انتهى كلام صاحب الإنصاف.
والقول بدخولهم هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
وثانياً: أن الذكر كالأنثى في مثل هذه الصيغة (الذرية أو ذريتي) على السواء في الاستحقاق والقسم. قال في المغني والشرح والإنصاف: بغير خلاف نعلمه. انتهى.
وثالثاً: أن جميع الموجودين من الذرية يشتركون في الوقف، ولا يحجب الأعلى من هو أسفل منه فيستحق الابن مع وجود أبيه أو أمه، ولا يمنع البعيد لوجود من هو أقرب منه لتناول لفظ الذرية للجميع دون ترتيب بين الطبقات والبطون. وبذلك يتضح لك أنه لا يحرم أحد من الموجودين ممن يشملهم اسم الذرية، سواء أكان من أبناء الظهور أو البطون، بعد أو قرب بل يقسم الوقف بين الجميع بالتساوي للأنثى مثل ما للذكر وللابن مثل ما للأب، وقد سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين: هل يختلف إذا قال: على أولادي أو على ذريتي.. إلخ؟ فأجاب: يختلف: أما إذا قال: على أولادي، فما دام باق من أولاده أحد ذكر أو أنثى، استحق جميع الوقف، فإذا انقرض البطن الأول صار لولدهم، وفي دخول أولاد البنات خلاف مشهور، وكذا إذا قال: على أولادي كل على قدر ميراثه، فلا يستحق البطن الثاني شيئاً حتى ينقرض البطن الأول، وأما الوقف على الذرية فيتناول جميعهم، قريبهم وبعيدهم ذكورهم وإناثهم سواء، وفي دخول أولاد البنات أيضاً، الخلاف المشهور. انتهى. وقد بينا أن الراجح دخولهم لأنهم من الذرية.
والله أعلم.