الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم ـ يا أخي ـ أن الكفر نوعان: كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر غير مخرج من الملة، وإنما هو معاص سماها الشارع كفراً مع بقاء الحكم بالإيمان لفاعلها، كما في حديث: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر. وحديث: من حلف بغير الله فقد كفر. وحديث: لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وغيرها.
وبخصوص تارك الصلاة كسلاً: فقد اختلف العلماء في حكمه: فذهب جمهور العلماء إلى أنه يكفر كفراً أصغر وذهب بعضهم: إلى كفره كفراً أكبر، وانظر الفتويين رقم: 38537، ورقم:56287، وما أحيل عليه فيهما.
وـ أيضاً ـ الفسق منه ما هو أكبر ومنه ما هو أصغر، فالأكبر كما في قوله تعالى: وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {النور:55}. وقوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {التوبة:67}. وقوله عن إبليس: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ {الكهف:50}.
وأما الأصغر: ففي قوله تعالى: وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ {البقرة:282}. وكما في حديث: سباب المسلم فسوق.
وكذلك النفاق: منه ما هو أكبر، كما في قوله تعالى: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ {المنافقون:1}.
ومنه ما هو أصغر: كما في قوله صلى الله عليه وسلم: أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذاعاهد غدر، وإذا خاصم فجر. متفق عليه.
وانظر الفتوى رقم: 94258، وما أحيل عليه فيها.
وأما العاصي: فيطلق على الخارج عن طاعة الشرع المخالف لأمره، ويتفاوت حاله بحسب كبر المعصية وصغرها، وقد يصل إلى درجة الفسق وقد لا يصل، إلا أنه لا يخرج من الملة ـ ولو كانت معصيته كبيرة ـ ما دام غير مستحل لها، وانظر الفتوى رقم: 13087.
والمعصية قد تكون نوعاً من النفاق ـ كما في الحديث السابق ـ وقد تكون فسقاً أو كفراً ـ كما في الحديث الذي قبله.
وفي الجملة: فإن هذه المصطلحات قد تتداخل، والحديث فيها يحتاج إلى علم وبرهان من كتاب أو سنة، وقد زل بسبب الجهل بها أقوام ـ كما هو معروف في كلام الفرق المخالفة لأهل السنة: كالخوارج والمرجئة والمعتزلة ـ وانظر الفتويين رقم: 32021، ورقم: 131860، وما أحيل عليه فيهما.
والله أعلم.