الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكره السائل الكريم ليس من الاعتراض على قضاء الله تعالى في شيء، وكون المرء يبحث عن عمل يناسبه أو في مجال تخصصه ليتقنه وينفع به المسلمين أمر مطلوب شرعا وعقلا، وهو مما يحمد عليه، وهذا لا يعني أنه لا يرضى بقدر الله، بل هذا نفسه من قدر الله، والعاقل هو الذي يفر من قدر لا يناسبه إلى قدر يناسبه كما في الصحيحين أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لما همَّ بالرجوع عن الشام، لما وقع بها من الطاعون، قال له أبو عبيدة ـ رضي الله عنه: أفرارا من قدر الله؟ فقال له عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة؟ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟.
فهذا هو حال المؤمن اللبيب يحرص على ما ينفعه، وهو يعلم أنه لن يخرج عن قدر الله تعالى، بل يستعين به سبحانه على جميع أموره، وبذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا؟ ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان. رواه مسلم.
وبذلك يجمع المؤمن بين الحسنين: بين الحرص على ما ينفعه مع الاستعانة بالله، وبين علمه أن ما سيكون إنما هو بقدر الله تعالى.
وأما بالنسبة لعمل السائل الحالي: فما عليه إلا أن يتقي الله فيه، فيتقنه بقدر طاقته، ويفي ببنود عقده، ولا بأس عليه بعد ذلك وإن كان لا يحبه ويبحث عن غيره.
والله أعلم.