الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن زمننا هذا زمان غربة، وأن المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بدينهم في آخر الزمان بأنهم غرباء، وبشرهم بالأجر العظيم، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 58011، 63743، 19738، 55038 .
ولا بد لمن أراد الثبات على دينه في مثل هذا الزمان من علم نافع يبصره ويهديه، وعمل صالح يطهره ويزكيه، وصحبة صالحة ناصحة تعينه وتحميه، وأن ينشغل بطاعة الوقت ولا يتطلع إلى ما لا يكون، ولا يكلف نفسه ما لا يطيق من أنواع العبادات فيعجز وينقطع. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق. رواه أحمد، وحسنه الألباني والأرناوؤط. وقد سبق شرحه في الفتوى رقم: 39427. كما سبق لنا بيان عوامل الفتور عن الالتزام بالدين وسبيل الإصلاح والعودة، في الفتوى رقم: 17666.
وأما بخصوص ما ذكره السائل الكريم، فليس التزامه بطاعة الله ولا اجتنابه للمحرمات مما يصح أن يوصف بالتشدد، مثل محافظته على صلاة الجماعة والصف الأول، ومثل امتناعه عن مشاهدة الفضائيات (الدش) التي تعرض المنكرات والخزايا، بل هذا مما يحمد ويرغب في الثبات عليه. وأما شعوره بالغربة فلا غرابة فيه مع ما سبق بيانه.
وبالنسبة لأمر الزواج، فإننا نوصيك ونشدد عليك في الوصية أن تتحرى في اختيار زوجتك، وأن يكون أساس ذلك هو التدين والصلاح، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك. متفق عليه.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة. رواه مسلم. وعن ثوبان قال: لما نزلت (والذين يكنزون الذهب والفضة) قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه: أنزل في الذهب والفضة ما أنزل لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني.
وأما بالنسبة لقضاء ما يسمى بشهر العسل بالخارج، فإن كنت تعني بلاد الكفار، فإن في ذلك خطرا عظيماعليك وعلى أهلك في أمر دينكم ودنياكم، وفي بلاد الإسلام مندوحة عن ذلك، وحتى هذه إن أردتها فعليك أن تختار أفضلها وأكثرها محافظة على الدين وحدود الشرع، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتوى رقم: 18657.
وأما بالنسبة لمسألة العمل وتركه، فإن العمل لا يجب عليك إلا إذا ترتب على تركه تفريط في واجب أو تضييع لمن تعول.
فمن كان لديه ما يغنيه عن أن يحتاج إلى الناس أو يمد يده إليهم، فلا مانع أن يتفرغ لطاعة الله، في طلب العلم أو العبادة، وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتويين: 63005، 77968. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 63746، 74092. ثم نوصيك أن تترفق بوالديك وأهلك في النصيحة والموعظة، وأن تكون عونا لهم على الخير والهدى. وفقك الله لكل خير.
والله أعلم.