الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فشكر الله لك ما تقومين به من الخير، واعلمي ـ وفقك الله ـ أنه لا يجب على المسلم إلا ما أوجبه الله عليه ـ من زكاة ماله والنفقة على من تلزمه نفقته ـ وأما ما عدا ذلك من الصدقات: فهو مستحب لا واجب، فإن أعرضت عن هؤلاء السائلين بلطف ورفق لم يكن عليك حرج في ذلك ـ إن شاء الله ـ ولكن شريطة أن يكون ذلك بلطف ورفق، مع عدم زجر أوتعنيف، لقوله تعالى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ {الضحى:10}.
ولقوله تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا {الإسراء:28}.
وإن كان الأولى والأفضل أن لا تردي سائلا، وبخاصة إذا علمت أو غلب على ظنك أنه يسأل للحاجة، واعلمي أن ثواب الصدقة عظيم وأن الله تعالى يخلف عليك ما تصدقت به أضعافا مضاعفة ويذخر لك في الآخرة من الثواب ما تقر به عينك، وقد قال تعالى: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {سبأ:39}.
وقال تعالى: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {البقرة:245}.
والنصوص في هذا المعنى ـ كتابا وسنة ـ كثيرة جدا، وإن تحريت بصدقتك الفقراء المتعففين الذين لا يتعرضون للمسألة كان ذلك حسنا، لقوله تعالى: لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ {البقرة:273}.
وأما تفصيل هذا الثوب الفاخر لتلك الفتاة: فإنه لا يلزمك، ويمكنك أن تعرضي عن طلبها ـ كليا ـ أو تفصلي لها ثوبا دونه في القيمة، ولا حرج عليك في ذلك، وإن كان الأولى أن تجيبيها إلى طلبها ـ إن لم يكن في ذلك إجحاف بك ولا ضرر عليك ـ فإن الله تعالى يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ {آل عمران:92}.
والله أعلم.