الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد كنا قد بينا حكم هذه التوسعة في الفتوى رقم: 106419، وملنا إلى ترجيح القول بجواز السعي فيها، وقلنا إن هذه المسألة من اختصاص أهل العلم بالبلد الحرام فهم أعلم بالواقع هناك.
وأما العلماء القائلون بعدم جواز التوسعة الحالية للمسعى فيرون أن حدود المسعى هي حدود المسعى القديم قبل التوسعة، ومستندهم في ذلك أن اللجنة التي شكلت برئاسة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في عهد الملك سعود، قد استقصت حدود المسعى طولا وعرضا فلم تجز الزيادة على ما قررته اللجنة في حد المسعى، وقد صدر من هيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية قرار بهذا الخصوص، ورأى أكثر العلماء أن المسعى القديم شامل لحدود جميع المسعى، وهذا نص القرار، قال العلماء: فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته الرابعة والستين التي انعقدت في مدينة الرياض ابتداء من تاريخ 18/2/1427هـ . درس موضوع توسعة المسعى ، من الناحية الشرعية ....
وقد استعرض المجلس ما سبق أن صدر منه بالقرار رقم ( 21 ) ، وتاريخ 12/11/1393هـ المتضمن جواز السعي فوق سقف المسعى عند الحاجة ، واطلع على البحوث المعدة حول مشعر المسعى من الناحية الشرعية والتاريخية .
واطلع كذلك على الفتوى الصادرة من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، المفتي الأسبق للمملكة العربية السعودية رحمه الله ، حول ما أدخلته العمارة الجديدة للمسعى ، وحول الصفا والمروة ، بناء على قرارات اللجان المشكلة من عدد من العلماء الذين أمرهم - رحمه الله - بذلك ، وهم :
الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ ، والسيد علوي عباس المالكي ، والشيخ عبد الله بن دهيش ، والشيخ عبد الله بن جاسر ، والشيخ يحيى أمان ، والشيخ محمد الحركان - رحمهم الله جميعًا -، وذلك لمتابعة إدخال ما هو من المسعى ، وإخراج ما ليس منه ، مما هو منصوص عليه في كتب أهل العلم من محدثين وفقهاء ومؤرخين. انتهى.
وقد نص بعض أهل العلم على أن عرض المسعى هو خمسة وثلاثون ذراعا، ورأى بعضهم أن هذا تقريب لا تحديد لأنه لا نص واضح من السنة يبين عرض المسعى.
جاء في حواشي الشرواني على التحفة: (الظاهر أن التقدير لعرضه بخمسة وثلاثين أو نحوها على التقريب، إذ لا نص فيه يحفظ عن السنة فلا يضر الالتواء اليسير لذلك. انتهى.
وقال الرملي في نهاية المحتاج: "ولم أرَ في كلامهم ضبط عرض المسعى وسكوتهم عنه لعدم الاحتياج إليه، فإن الواجب استيعاب المسافة التي بين الصفا والمروة كل مرة، ولو التوى في سعيه عن محل السعي يسيراً لم يضر كما نص عليه الشافعي. انتهى.
وقد ذكر الأزرقي في أخبار مكة أن عرض المسعى يبلغ خمسة وثلاثين ذراعا ونصف الذراع، وهو ما يقرب جدا من حدود المسعى القديم، وقد ذكر الشيخ السعدي رحمه الله أن الشيخ محمد بن إبراهيم اجتمع بالمشايخ لبحث هذه المسألة، وأن من الحاضرين من قال إن المسعى لا يحد عرضه بأذرع معينة، بل كل ما كان بين الصفا والمروة فإنه داخل في المسعى كما هو ظاهر النصوص من الكتاب والسنة، وكما هو ظاهر فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، ومنهم من قال: يقتصر فيه على الموجود ولا يزاد فيه إلا زيادة يسيرة في عرضه وهو قول أكثر الحاضرين.
قال الشيخ: ويظهر من حال الشيخ محمد بن إبراهيم أنه يعمل على قول هؤلاء لأنه لا يحب التشويش واعتراض أحد.
فهذه إشارة يسيرة لما يتعلق بوجهة نظر العلماء القائلين بعدم جواز التوسعة الحالية.
والله أعلم.