الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولاً أن عملك عند غيرك لا يسمى عبودية لغير الله تعالى، بل هي إجارة مشروعة، وقد دلت على مشروعيتها نصوص الكتاب والسنة وإجماع العلماء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعبد الناس لله يرعى الغنم لأهل مكة على قراريط كما ثبت في الصحيح.
وأما كونك تدعو الله تعالى بأن يرزقك عملاً خاصاً فهذا لا حرج فيه البتة، وليس في ذلك اعتراض على القدر بالمرة، فإن الدعاء من أعظم الأسباب التي شرع الله تعالى لعباده الأخذ بها، وثبت في فضل الدعاء وعظيم منزلته في الدين أحاديث كثيرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: أعجز الناس من عجز عن الدعاء. رواه البيهقي والطيالسي ورمز السيوطي له بالحسن، والإلحاح في الدعاء من العبادات التي يحبها الله تعالى وحث عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الحافظ في شرح حديث: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل: في هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أنه يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة، لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار، حتى قال بعض السلف: لأنا أشد خشية أن أحرم الدعاء من أن أحرم الإجابة. وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر رفعه: من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة. الحديث أخرجه الترمذي بسند لين، وصححه الحاكم فوهم. انتهى.
وعليك مع الاجتهاد في الدعاء بحصول ما تحب أن تستسلم لأمر الله تعالى وأن ترضى بحكمه، فإذا لم تنل ما تريد فلعل في ترك إعطائك هذا خيراً لك وأنت لا تشعر، وربما كان ما أنت فيه من الحال هو الخير والمصلحة لك فإن الله تعالى أعلم بمصالح العبد من نفسه، وقد قال عز وجل: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {البقرة:216}.
والله أعلم.