الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبعد النظر في تفاصيل سؤالك ظهر لنا أن غالب الأمور التي تسبب بينكم الخلاف والشقاق ترجع إلى سفاسف الأمور ولعاعات الدنيا التي يقبح بالمسلم أن يشتغل بها فضلا عن أن يعادي الناس ويهجرهم بسببها، فالذي ننصحكم به عموما أن تغضوا الطرف عن هذه الأشياء وأن يتغافل كل طرف من الأطراف عما يحدث من صاحبه، وأن يسود بينكم خلق العفو والصفح، فقد ذكر الله سبحانه أن هذا من صفات أهل الإيمان بقوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ. {الشورى: 37}.
وأما ما يقوم به زوجك من إهانتك أمام أهله فهذا لا يجوز، ولا يجوز له أيضا أن يهجرك بلا سبب، ولا أن يهددك بالطلاق بلا مسوغ، ولا أن يعادي أهلك ويقطعهم، فكل هذا منهي عنه لمخالفته لما أمر الله به الأزواج من معاشرة أزواجهم بالمعروف، وليذكر الزوج أن كلا من الهجر والتدابر بين المسلمين محرم، فقد روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال. رواه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم.
ومما يبين أثر الخصام القبيح ويحفز على إصلاح ذات بين المسلمين ما ورد من عدم المغفرة للمتخاصمين حتى يصطلحا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بيه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا. رواه مسلم.
ثم إن قدر وحدث بين زوجك وبين أهلك شيء من الخلاف فلا يجوز له أن يمنعك منهم بسبب خلافه معهم. جاء في التاج والإكليل: وفي العتبية ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ويقضي عليه بذلك خلافا لابن حبيب. انتهى.
وفي منح الجليل: إن وقع بينه وبين أخي امرأته كلام فليس له منعه منها. انتهى.
والذي ننصحك به أيتها الأخت السائلة أن تتحلى بالصبر على زوجك وعلى أهله ابتغاء مرضات الله فقد قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ. {الزُّمر:10}. وعليك أن تبذلي جهدك ووسعك لاستصلاح زوجك واسترضائه، وأعظم الأسباب التي تعينك على ذلك هو أن تبتعدي عن كل ما يثيره أو يضايقه وحبذا لو تخيرت ساعة يصفو فيها لك ففاتحيه في حقك عليه وما تجدينه في صدرك منه.
والله أعلم.