الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكل عمل مشروع يعمله الإنسان مبتغيا به وجه الله تعالى فإنه يؤجر عليه، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى... متفق عليه.
وهذا يشمل العمل الذي هو قربة في ذاته، كالابتداء بالسلام؛ لحديث: أفشوا السلام بينكم. رواه مسلم.
كما يشمل العمل المباح من حيث الأصل إذا نوى به فاعله التقرب إلى الله، ويدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا. رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة. هُوَ بِضَمِّ الْبَاء، وَيُطْلَق عَلَى الْجِمَاع، وَيُطْلَق عَلَى الْفَرْج نَفْسه، وَكِلَاهُمَا تَصِحّ إِرَادَته هُنَا، وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَات تَصِير طَاعَات بِالنِّيَّاتِ الصَّادِقَات، فَالْجِمَاع يَكُون عِبَادَة إِذَا نَوَى بِهِ قَضَاء حَقّ الزَّوْجَة وَمُعَاشَرَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى بِهِ، أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ صَالِحٍ، أَوْ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ إِعْفَاف الزَّوْجَة وَمَنْعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ النَّظَر إِلَى حَرَام، أَوْ الْفِكْر فِيهِ، أَوْ الْهَمّ بِهِ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الصَّالِحَة.
وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك. متفق عليه.
قال النووي رحمه الله: وَفِيهِ: أَنَّ الْمُبَاح إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى صَارَ طَاعَة، وَيُثَاب عَلَيْهِ، وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا بِقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى اللُّقْمَة تَجْعَلهَا فِي فِي اِمْرَأَتك. لِأَنَّ زَوْجَة الْإِنْسَان هِيَ مِنْ أَخَصّ حُظُوظه الدُّنْيَوِيَّة وَشَهَوَاته وَمَلَاذه الْمُبَاحَة، وَإِذَا وَضَعَ اللُّقْمَة فِي فِيهَا فَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ فِي الْعَادَة عِنْد الْمُلَاعَبَة وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّلَذُّذ بِالْمُبَاحِ، فَهَذِهِ الْحَالَة أَبْعَد الْأَشْيَاء عَنْ الطَّاعَة وَأُمُور الْآخِرَة، وَمَعَ هَذَا فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بِهَذِهِ اللُّقْمَة وَجْه اللَّه تَعَالَى، حَصَلَ لَهُ الْأَجْر بِذَلِكَ، فَغَيْر هَذِهِ الْحَالَة أَوْلَى بِحُصُولِ الْأَجْر إِذَا أَرَادَ وَجْه اللَّه تَعَالَى...
وعلى ذلك فمدحك لهذه الفتاة، إن كان القصد منه تشجيعها على الخير أو حث الناس على الاقتداء بما فيها من خصال الخير، أو الذب عن عرضها بحق، أو بيان أحقيتها في شيء ما، أو نحو ذلك من المقاصد الحسنة المعتبرة شرعا، فهذا إذا قصدت به وجه الله تعالى فإنك تؤجرين عليه إن شاء الله. لكن يراعى ألا يكون فيه إفراط أو خوف فتنة على الممدوح، وإلا فإنه يكون منهيا عنه، ولا يتأتى كونه مأجورا عليه. وانظري الفتوى رقم: 97449.
والله أعلم.