تفسير قوله تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم..)

17-3-2010 | إسلام ويب

السؤال:
لدي سؤال متشعب أكون شاكرا إن تكرمتم علي بإجابة له. قال تعالى: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. وقال أيضا في بعض آية: وروح منه.
سؤالي: هل خلق الله تعالى عيسى عليه السلام من تراب في رحم مريم ثم أمر جبريل بنفخ الروح فيه فكان وكانت ولادته بعد ذلك بيسير أم أنه تخلق في رحمها تسعة أشهر وكان نفخ الروح فيه أثناء مراحل التخلق؟
ثم، ما معنى وروح منه؟ هل عيسى عليه السلام روح من الله وباقي البشر ذوو حال مختلف؟ أقصد ما مغزى نسبة الروح لله في هذه الآية؟ وهل هذه الروح تختلف عن روح القدس التي أيد الله بها عيسى عليه السلام، وجاء ذكرها في آخر المائدة؟ هل كل البشر روح من الله أيضا لكن خص عيسى عليه السلام بذلك تكريما له (كقوله تعالى بيت الله، أو ناقة الله) أم أن هناك ميزة لعيسى عليه السلام في ذلك؟

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فوجه الشبه بين خلق آدم وعيسى ليس في الخلق من التراب، وإنما هو في الخلق بلا أب، فإذا كان آدم مخلوقا من غير أب وأم فهو أولى بالعجب من عيسى الذي خلق من أم بلا أب.

قال القرطبي: والتشبيه واقع على أن عيسى خلق من غير أب كآدم ، لا على أنه خلق من تراب. والشيء قد يشبه بالشيء وإن كان بينهما فرق كبير بعد أن يجتمعا في وصف واحد ؛ فان آدم خلق من تراب ولم يخلق عيسى من تراب، فكان بينهما فرق من هذه الجهة ، ولكن شبه ما بينهما أنهما خلقهما من غير أب. انتهى

وقال ابن كثيرقول تعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ } في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أب { كَمَثَلِ آدَمَ } فإن الله تعالى خلقه من غير أب ولا أم، بل { خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } والذي (1) خلق آدم قادر على خلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى بكونه مخلوقا من غير أب، فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى، ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل، فدعواها في عيسى أشد بطلانا وأظهر فسادًا. ولكن الرب عَزّ وجل، أراد أن يظهر قدرته لخلقه، حين خَلَق آدم لا من ذكر ولا من أنثى؛ وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى.

والذي عليه جمهور المفسرين أن مكثه عليه السلام في بطن أمه كان كسائر الناس.

قال ابن كثيراختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر. وقال عكرمة: ثمانية أشهر - قال: ولهذا لا يعيش ولد لثمانية أشهر. وقال ابن جُرَيْج: أخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله الثقفي، سمع ابن عباس وسئل عن حَبَل مريم، قال: لم يكن إلا أن حملت فوضعت .وهذا غريب، وكأنه أخذه من ظاهر قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ } فالفاء وإن كانت للتعقيب، ولكن تعقيب كل شيء بحسبه، كما قال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا } [ المؤمنون : 12 -14 ] فهذه الفاء للتعقيب بحسبها. وقد ثبت في الصحيحين: أن بين كل صفتين أربعين يومًا. وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً } [ الحج : 63 ] فالمشهور الظاهر -والله على كل شيء قدير-أنها حملت به كما تحمل النساء بأولادهن. اهـ

وقد تقدم في الفتوى رقم: 118336، بيان معنى قوله تعالى: وروح منه {النساء:171} وبينا فيها وجه إضافته إلى الله.

والله أعلم.

www.islamweb.net