الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبه السائل أوَّلاً إلى أن المسلم عليه الخضوع لأمر الله تعالى والاستسلام لحكمه وشرعه ولو لم تظهر له الحكمة في ذلك، فليس كل حكم شرعي له علة معلومة، فإذا جاء أمر الله تعالى فما على المؤمن إلا أن يقول سمعنا وأطعنا، سواء علم الحكمة أم لم يعلمها.
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: ولهذا إذا صادفك سائل ليس جدلياً، وقال: ما الفرق بين هذا وهذا؟ فقلتَ: هذا حكمُ الله يسكت، لأنه مؤمن، ويعلم أن الله لا يفرق بين متماثلين إلا لفرق بينهما، إما معلوم أو غير معلوم، لكن الجدلي يتعبك بالجدل ويتعمق. انتهى.
أما الحكمة من تحديد مدة الرضاع بِحولين كاملين عند الحاجة لذلك كونُها أقصى مدة يحتاج فيها الطفل إلى الرضاعة فلا يتضرر بانقطاعها بعد هذه المدة. قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: وقد جعل الله الرضاع حولين، رعيا لكونهما أقصى مدة يحتاج فيها الطفل للرضاع إذا عرض له ما اقتضى زيادة إرضاعه، ولما كان خلاف الأبوين في مدة الرضاع لا ينشأ إلا عن اختلاف النظر في حاجة مزاج الطفل إلى زيادة الرضاع، جعل الله القول لمن دعا إلى الزيادة، احتياطاً لحفظ الطفل. انتهى.
كما أن الحكمة من تحريم نكاح الأم من الرضاع ونحوها من المحرمات هي كون الرضيع قد نبت جسمه من لبن مرضعته، وقد ورث من طباعها وأخلاقها مثل ما ورثه منها ولدها الذي ولدته إضافة إلى ما بالتحريم بالرضاع من توسيع دائرة القرابة قال سيد سابق في فقه السنة: وأما حكمة التحريم بالرضاعة، فمن رحمته تعالى بنا أن وسع لنا دائرة القرابة بإلحاق الرضاع بها، وأن بعض بدن الرضيع يتكون من لبن المرضع، وأنه بذلك يرث منها كما يرث ولدها الذي ولدته. انتهى. فكان حكمة التحريم بالرضاع هي حكمة التحريم من النسب.
وبالنسبة لفائدة الرضاع بالنسبة للأم المرضِع فهناك فائدة أخروية وهي حصول الأجر والثواب على إرضاع ولدها، والعناية به مادام يحتاج إلى ذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث المتفق عليه: في كل ذات كبد رطبة أجر.
وقد تكون فائدة دنوية وهي استحقاق أجرة الرضاع على والد الرضيع إن وُجد غيرها ممن يرضعه بناء على مذهب الحنابلة والشافعية وهو الراجح كما تقدم في الفتوى: 31165.
وإن قصدتَّ الفائدة الصحية التي تجنيها الأم من الرضاع فهذا يسأل عنه أصحاب الاختصاص في هذا المجال.
وكونُه صلى الله عليه وسلم لم يقبل مرضعة غير حليمة لم نقف على من قال به من أهل العلم، بل جاء أنه صلى الله عليه وسلم له عدة مرضعات سوى حليمة مثل أمه: آمنة بنت وهب وثويبة مولاة أبي لهب وهي أول من أرضعه إضافة إلى امرأة من بني سعد.
ورجعي في ذلك الفتوى رقم: 39455، والفتوى رقم: 62806.
والله أعلم.