الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الكلام على النواحي الطبية المذكورة في السؤال ينبغي أن يراجع فيه أصحاب الاختصاص من الأطباء المهتمين بالأعشاب والأغذية.
وأما ما ذكر في هدي النبي صلى الله عليه وسلم فانه ليس مطابقا تمام المطابقة لهديه صلى الله عليه وسلم فلم يكن من هديه الاقتصار على نمط واحد من الأغذية.
قال ابن القيم في الزاد: فأما المطعم والمشرب، فلم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبس النفس على نوع واحد من الأغذية لا يتعداه إلى ما سواه، فإن ذلك يضر بالطبيعة جدا، وقد يتعذر عليها أحيانا، فإن لم يتناول غيره، ضعف أو هلك، وإن تناول غيره، لم تقبله الطبيعة، واستضر به، فقصرها على نوع واحد دائما ولو أنه أفضل الأغذية خطر مضر.بل كان يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله من اللحم، والفاكهة، والخبز، والتمر، وغيره...اهـ.
وكان يأكل اللحم كثيرا بالليل والنهار كما في حديث المغيرة عند أبي داود، وفي حديث الشاة المسمومة وفي حديث الشفاعة، وكان من أحب الطعام إليه، وكان يشرب الحليب بالليل كما في المسند من حديث المقداد، وكان يأكل قبل الظهر وبعده، كما في سنن أبي داود من حديث جابر وكانت تسقيه زينب في بعض الأيام العسل مساء عند ما يزورها كما في حديث الصحيحين، وكان يشرب الماء وحده ويشربه ممزوجا باللبن والعسل كما يشرب النبيذ وقد أكل الخل مرة ومدحه لعدم وجود إدام غيره لا لفضله على ما سواه.
قال ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد: وكان يحب اللحم.....وكان يحب الحلواء والعسل، وهذه الثلاثة أعنى: اللحم والعسل والحلواء من أفضل الأغذية، وأنفعها للبدن والكبد والأعضاء، وللاغتذاء بها نفع عظيم في حفظ الصحة والقوة، ولا ينفر منها إلا من به علة وآفة. وكان يأكل الخبز مأدوما ما وجد له إداما، فتارة يأدمه باللحم ويقول: هو سيد طعام أهل الدنيا والآخرة. رواه ابن ماجه وغيره. وتارة بالبطيخ، وتارة بالتمر،فإنه وضع تمرة على كسرة شعير، وقال: هذا إدام هذه. وفى هذا من تدبير الغذاء أن خبز الشعير بارد يابس، والتمر حار رطب على أصح القولين، فأدم خبز الشعير به من أحسن التدبير، لاسيما لمن تلك عادتهم، كأهل المدينة، وتارة بالخل، ويقول: نعم الإدام الخل، وهذا ثناء عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر، لا تفضيل له على غيره، كما يظن الجهال، وسبب الحديث أنه دخل على أهله يوما، فقدموا له خبزا، فقال: هل عندكم من إدام؟ قالوا: ما عندنا إلا خل. فقال: نعم الإدام الخل. والمقصود: أن أكل الخبز مأدوما من أسباب حفظ الصحة، بخلاف الاقتصار على أحدهما وحده. اهـ.
وقال أيضا: وأما هديه في الشراب، فمن أكمل هدي يحفظ به الصحة، فإنه كان يشرب العسل الممزوج بالماء البارد، وفى هذا من حفظ الصحة ما لا يهتدي إلى معرفته إلا أفاضل الأطباء، فإن شربه ولعقه على الريق يذيب البلغم، ويغسل خمل المعدة، ويجلو لزوجتها، ويدفع عنها الفضلات، ويسخنها باعتدال، ويفتح سددها، ويفعل مثل ذلك بالكبد والكلى والمثانة، وهو أنفع للمعدة من كل حلو دخلها، وإنما يضر بالعرض لصاحب الصفراء لحدته وحدة الصفراء، فربما هيجها، ودفع مضرته لهم بالخل، فيعود حينئذ لهم نافعا جدا، وشربه أنفع من كثير من الأشربة المتخذة من السكر أو أكثرها...اهـ.
وأما الجزر فلم يذكره ابن القيم في الزاد ولا الترمذي في الشمائل عند كلامهما على طعام النبي صلى الله عليه وسلم. ولمعرفة هديه صلى الله عليه وسلم في الغذاء راجع هذين الكتابين.
والله أعلم.