الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن حقّ البالغ الرشيد أن يتصرف في ماله في حدود ما أباحه الله، وليس من حقّ زوجته عليه أن يخبرها بما يملكه من المال أو بما ينفق فيه ماله، بل من حق الزوجة البالغة الرشيدة أن تتصرف في مالها الخاص دون إذن زوجها ، كما بيناه في الفتوى رقم: 76751.
وعلى ذلك فليس من حقّ زوجتك أن تطالبك بإخبارها بكل ما تنفقه من مالك، وإنما حقها عليك أن تنفق عليها بالمعروف، ومن النفقة بالمعروف أن توفر لها مسكناً مستقلاً مناسباً لا تتعرض فيه لضرر، وانظر الفتوى رقم: 28860.
وهذا المسكن الذي يجب عليك ليس بالضرورة أن يكون ملكاً لك وإنما يمكن أن يكون بأجرة أو استعارة. قال الشربيني (الشافعي): ( ولا يشترط ) في المسكن ( كونه ملكه ) قطعا بل يجوز إسكانها في موقوف ومستأجر ومستعار. مغني المحتاج.
وعلى ذلك فما دمت توفر لها مسكناً مناسباً في بلد إقامتك الحالي فقد وفيت لها حقها في السكن وليس لها مطالبتك بمسكن في بلدك الأصلي، ثم إذا رجعت إلى بلدك الأصلي فعليك أن توفر لها مسكناً مستقلاً مناسباً.
والذي ننصح به زوجتك أن تحسن عشرتك ولا تضيق عليك بكثرة السؤال عن أوجه إنفاقك، ولتحذر من مغاضبتك وهجرانك دون مسوّغ فإن حق الزوج على زوجته عظيم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ. متفق عليه. ولا مانع من التفاهم في شأن تدبير النفقات وتوفير مسكن ببلدكم بأسلوب رقيق وكلام طيب.
وننصحك بمعاشرة زوجتك بالمعروف والتغاضي عما يبدر منها من هفوات، ما دمت قد ذكرت عنها خيراً، ولا مانع من إخبارها بنفقاتك ومبادلتها الرأي في ذلك على سبيل التواد والتراحم، كما ينبغي لك أن تتوسط في نفقاتك وتدخر بعض المال لما تحتاجه من توفير مسكن ببلدك أو غير ذلك من المصالح.
ونوصيك بالتعاون مع زوجتك على طاعة الله وإقامة حدوده، وننبهك إلى أنه ينبغي تجنب عبارة غدرات الزمان، فإن الزمن هو الدهر وقد نهى الشرع عن سبه. وراجع في ذلك فتوانا رقم: 100933.
والله أعلم.