الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالانحناء عند إلقاء التحية منهي عنه شرعا، لما رواه الترمذي وأحمد من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه، أو صديقه أينحني له؟ قال: لا. قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم. قال الترمذي: هذا حديث حسن.
والانحناء في معنى الركوع، والركوع لا يجوز إلا لله -عز وجل-. وقد جاء في فَتَاوَى الإِمامِ النَّوَوَيِ المُسمَّاةِ: "بالمَسَائِل المنْثورَةِ": مسألة: الانحناء الذي يفعله الناسُ بعضُهم لبعض -كما هو معتاد لكثير من الناس- ما حكمه؟ وهل جاء فيه شيء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وعن أصحابه؟
الجواب: هو مكروه كراهةً شديدة، وقد ثبت عن أنس -رضي الله عنه- قال: "قالَ رَجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، الرَّجُلُ منَّا يَلْقَى أخاهُ، أو صَديقَهُ أيَنْحَني لهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَلْتَزمُهُ وُيقَبِّلهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَأخُذُ بيَدهِ وُيصَافحهُ؟ قال: "نَعَمْ". رواه الترمذي وقال: حديث حسن. فهذا حديث صريح في النهي عنه، ولم يأت له معارض، فلا مصير إِلى مخالفته. ولا يُغترَّ بكثرة من يخالفه ممن ينسب إِلى فقه، أو غيره من خصال الفضل، فإن الاقتداء إِنما يكون برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. اهـ.
وينبغي إعلام هؤلاء بأن مخالفتك لهم في هيئة التحية إنما هو التزام منك بدينك، وليس تكبرًا، ولا ترفعًا عليهم.
والله أعلم.