الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن تحري الحلال مما يحمد عليه المرء، ولكن بشرط أن لا يصل إلى درجة التنطع والتكلف، ومن ذلك البحث والتفتيش عن مصدر مال لمسلم مستور أو مجهول الحال، فإن ذلك من التنطع المذموم، فما علم المسلم أنه حرام اجتنبه، وما لا يعلم فلا يبحث ولا يفتش عن مصدره، بل يبني الأمر على الأصل، وهو حل المال.
وما ذُكر من حال الوالدين، من نحو الغش في امتحان (الكادر) المذكور، والانصراف من العمل قبل موعده، والتوقيع عن الغير ـ وإن كان لا يجوز، إلا إنه لا يصل إلى الحكم بحرمة مالهما، وعلى افتراض حرمة جزء منه فإن أغلبه على أصل الحل، والعبرة بالغالب. وقد قسم أهل العلم حائز المال الحرام إلى قسمين:
قسم يحرم التعامل معه والأكل عنده، وهو من كان كل ماله من الحرام الصرف.
وقسم اختلفوا فيه، وهو من كانت أمواله تضم الحلال والحرام، فمنهم من أباحه إذا غلب الحلال، ومنعه إذا غلب الحرام، ومنهم من انتهج فيه نهج الكراهة التنزيهية. والحق أنه ليس محرما قطعا، والقول بالكراهة التنزيهية محل نظر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو اتقى الناس وأشدهم توقيا للحرام- كان يخالط الذين اختلط مالهم المحرم بمالهم المباح من يهود المشركين، كان يخالطهم بيعا وشراء ويقبل هداياهم ويأكل أطعمتهم.
وعلى أيٍّ من هذه الاحتمالات يبقى التعامل والاستفادة من مال الوالدين حلالا بفضل الله.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7707، 6880، 69330.
ولا نرى التفصيل الذي يريده السائل مناسبا ولا مفيدا، لأن الموسوس إنما ننصحه بعدم الاسترسال مع وسوسته، بل ينبغي أن يعرض عنها، ويشغل نفسه بما ينفعها، وإلا آلت حاله إلى ما وصف السائل من النكد والحزن .. خاصة وأن الأسئلة التي سبق أن وردتنا من السائل تحمل نفس المرض (الوسوسة) في أبواب شتى بشكل واضح وخطير، ولذلك فإننا نؤكد على السائل أن يقبل نصيحتنا ويعرض عن هذه الوساوس التي تضره في دنياه ولا تنفعه في أخراه، فعليه أن يطرح هذه الأفكار عن نفسه ولا يسترسل معها، ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لأرشك أمرك، وأن يقيك شر نفسك.
والله أعلم.