الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لك الشفاء والعافية، ثم إننا ننصحك أولا بالتداوي امتثالا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم: تداووا عباد الله.
وأما عما يصيبك من المصائب فسبيل الصبر عليها أمور:
منها: أن تنظر إلى ما آتاك الله من النعم، فإن ما رزقك الله تعالى من النعم أضعاف أضعاف ما نزل بك من البلاء، ثم اجتهد في شكر هذه النعم فإن الشكر سبيل الزيادة: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ {إبراهيم:7}.
ومنها: أن تستحضر أن الله تعالى رحيم بعباده لطيف بهم، وأنه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أرحم بعبده من الأم بولدها، فتعلم بذلك أن ما قضاه لك هو الخير والمصلحة، كما في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه: عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له.
وقد قال الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {التغابن:11} قال علقمة في تفسيرها: هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم.
ومنها: أن تنظر إلى من هو دونك في أمر الدنيا ومن هو أكثر منك بلاء، فإن ذلك يهون عليك ما تصاب به.
ومنها، أن تستحضر الثواب العظيم الذي أعده الله للصابرين، فإنك متى استحضرت هذا الثواب لم يكن للجزع ولا للتسخط سبيل عليك، وحسبك قول الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}
وقال بعض السلف: لولا المصائب لوردنا القيامة مفاليس.
وحتى يتم الله عليك نعمة الشفاء فعليك بالإكثار من الدعاء أن يذهب الله عنك ما تجده من الوساوس والأمراض، وأما الاسترسال مع أحلام اليقظة فأمر مذموم ولا فائدة منه البتة، بل هو مضيعة للوقت وإهدار له في غير طائل، يقول ابن القيم: في التحذير من الاسترسال مع مثل هذه الأماني الكاذبة: وأخس الناس همة وأوضعهم نفسا من رضى من الحقائق بالأماني الكاذبة واستجلبها لنفسه وتحلى بها، وهى لعمر الله رؤوس أموال المفلسين ومتاجر البطالين وهى قوة النفس الفارغة التى قد قنعت من الوصل بزورة الخيال ومن الحقائق بكواذب الآمال. انتهى.
فعليك أن تجتهد في محاربة أحلام اليقظة تلك ومحاولة التخلص منها، وذلك بأن تشغل نفسك بما ينفعك من العلم النافع والعمل الصالح.
وأما ما تذكره عن ذنوبك الكثيرة فإن الله عز وجل واسع المغفرة كما أخبر عن نفسه، وهو تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، فتب إليه وجدد العهد معه مستقيما على شرعه، واعلم أنه تعالى يغفر لك مهما كان ذنبك، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}
وحسبك أن تقول لمن يسألك عن سر تأخرك في الزواج إن الله لم يقدر حصول ذلك بعد، وإنه سيكون حين يقدره الله عز وجل.
وأما رجوعك إلى الخلف بسبب ما يصيبك من المصائب فهو ثمرة الجزع واستدراج من الشيطان لك، بل عليك أن تثبت على طاعة الله، واعلم ان الخير كل الخير في طاعته تعالى، ونوصيك بحسن الظن بالله تعالى وأن تعلم أنه لا يخذل من أطاعه ولا يخيب من رجاه، فإذا أحسنت ظنك بربك تعالى زال عنك ما تشعر به من أنك ستفتن أو تنطق بكلمة الكفر والعياذ بالله، واعلم أن الفردوس ليس مقصورا على الصحابة والأنبياء، بل كل مؤمن صادق اجتهد في طاعة الله تعالى فإنه على رجاء نيل هذه الرتبة العظيمة، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يسألوا الله الفردوس، نسأل الله أن يرزقنا وإياك الفردوس، ففي الترمذي وغيره عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذر الناس يعملون : فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها درجة وأوسطها، وفوقها عرش الرحمن، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس.
والله أعلم.