الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أيها السائل أن حق الأم عظيم، بل هو أعظم الحقوق على الإطلاق بعد حق الله سبحانه وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، ويدل لذلك ما جاء في الحديث المتفق عليه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
فاجتهد رحمك الله في بر أمك والإحسان إليها مهما بدر منها، فقد أمر الله بمصاحبة الوالدين بالمعروف حتى وإن كانا مشركين يدعوان ولدهما إلى الشرك بالله، فقال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
واعلم أن من البر بالأم نصحها وتحذيرها من المعصية وعواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة، ولا ريب أن خروجها كاشفة عن شعرها معصية وكبيرة عظيمة، كما أن تركها للحج والعمرة مع توفر الاستطاعة كذلك، ولكن ليكن تحذيرك ونصيحتك لها بالرفق واللين وخفض الجناح بما يناسب ما جعله الله لها من الحقوق، وقد نص العلماء على أن الإنكار على الوالدين ليس كالإنكار على غيرهما من سائر الناس، جاء في كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح: فصل من أمر الوالدين بالمعروف وينهاهما عن المنكر، وقال في رواية حنبل: إذا رأى أباه على أمر يكرهه يعلمه بغير عنف ولا إساءة ولا يغلظ له في الكلام، وإلا تركه، وليس الأب كالأجنبي. انتهى.. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 109767.
فإن لم تستجب لك فعليك أن تستعين عليها بمن يملك التأثير عليها من بعض أرحامها أو جيرانها أو غيرهم، مع كثرة الدعاء لها بظهر الغيب أن يصلح الله لها الحال والبال، وأن يهديها سواء السبيل، ولا يشترط في ذلك أدعية معينة، بل عموم الدعاء لها بالهداية والتوفيق، وأن يصرف الله عنها شياطين الإنس والجن.
وللفائدة في ذلك راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 74937، 68076، 21916، 80185.
والله أعلم.