الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تجده بداخلك من وساوس هو من الشيطان يلبس عليك ويجعلك في هم وغم ليصدك عن سواء السبيل فتيأس من روح الله وهذا الذي حذر الله تعالى منه فقال: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ { يوسف:87}
ومن كان في مثل همك وغمك ينبغي أن يكثر من قراءة آيات الرحمة والمغفرة. كقوله تعالى قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ { الزمر:53}، وقوله: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48} ، وقوله: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}
وكذلك من الأحاديث قوله سبحانه في الحديث القدسي "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي: وقوله: " إنك ما دعوتني ورجوتني، غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي" يعني: على كثرة ذنوبك وخطاياك، ولا يتعاظمني ذلك، ولا أستكثره، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم قال: " إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء" رواه ابن حبان فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم، فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته. وفي صحيح الحاكم، عن جابر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: واذنوباه واذنوباه! مرتين أو ثلاثاً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :" قل" اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، ورحمتك أرجى عندي من عملي"، فقالها، ثم قال له: "عد" فعاد، ثم قال له: " عد" فعاد، فقال له: "قم" فقد غفر الله لك". وفي هذا يقول بعضهم: يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر، أعظم الأشياء في جنب عفو الله يصغر!. ( جامع العلوم والحكم 2/46).
فأبشر بمغفرة الله ورحمته ما أقبلت عليه وإياك واليأس فالمسلم الحق هو الذي يجمع بين الخوف والرجاء، فيرجو رحمة الله ويخشى عذابه، كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ{الزمر:9}
ولا يغلب أحد الطرفين على الآخر فإذا قرأ آية عذاب خاف وتجهم لما يرى أنها تنطبق على حاله لتفريطه في جنب الله وإذا قرأ آية رحمة استبشر وتهلل واطمأن لما يرى من سعة رحمة الله وكريم عفوه اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَاد {الزُّمر:23}
وأما ما سألت عنه فجوابه أنه لاحرج عليك في الأخذ بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى ولو كانت تخالف مذهبك الفقهي إذ لايلزم المقلد العامي اتباع فتوى مجتهد بعينه ولا يتعارض ذلك مع حرمة تتبع الرخص وزلات أهل العلم لكن لا يعتبر الأخذ بقول معتبر لأهل العلم مستند إلى أدلة شرعية صحيحة صريحة من ذلك القبيل قال النووي في روضة الطالبين: وليس له التمذهب بمجرد التشهي، ولا بما وجد عليه أباه. هذا كلام الأصحاب. والذي يقتضيه الدليل أنه ـ أي العامي ـ لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من يشاء، أو من اتفق، لكن من غير تلقط للرخص اهـ. وانظر تفصيل ذلك في الفتاوى رقم: 24444، 120640.
وبناء عليه فأنت معذور فيما أخذت به من مراجعة زوجتك التي طلقتها طلاقا بدعيا وأغلب المحاكم الشرعية في العالم الإسلامي اليوم تعتمد تلك الفتوى وتبني عليها أحكامها فلست زنديقا ولامرتدا ولا غير ذلك مما ذكرت . وزوجتك باقية في عصمتك عملا بتلك الفتوى وذلك الرأي . ودع الوساوس والأوهام وأقبل على حياتك وعبادتك . وانظر الفتوى رقم: 78571.
والله أعلم.