الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن فعل الصلاة في أي جزء من أجزاء وقتها جائز، وإن كان تأخير الصلاة عن أول الوقت فيه تفويت لفضيلة أول الوقت إلا حيث شرع تأخير الصلاة كالإبراد بالظهر وتأخير العشاء إذا لم يشق، وهذا الذي يسميه العلماء بالواجب الموسع، وهو ما يتسع وقته لأكثر من زمن العبادة، فيجزئ فعلها في أي جزء من أجزاء هذا الوقت.
جاء في مذكرة الأصول للشنقيطي: "قال المؤلف –أي ابن قدامة في روضة الناظر- : اذا أخر الواجب الموسع فمات فى أثناء وقته قبل ضيقه لم يمت عاصيا .. الخ . خلاصة ما ذكره المؤلف فى هذا الفصل أن المكلف اذا مات فى أول الوقت أو وسطه والحال أنه لم يؤد الصلاة لم يمت عاصيا لان الوقت الموسع يجوز للانسان أن يأتى بالصلاة فى أية حصة شاءها من حصصه" انتهى.
فإذا علمت هذا وعلمت أن الصلاة حال مدافعة الأخبثين منهي عنها لما ثبت عند مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان.
فاعلم أن من حصلت له مدافعة الأخبثين وقد تضيق الوقت بحيث يخشى خروجه لو قضى حاجته فإن مذهب الجمهور أنه لا يقضي حاجته ويصلي مع المدافعة مراعاة لحرمة الوقت، وذهب بعض الشافعية إلى أنه يقدم قضاء حاجته وإن خرج الوقت لتحصيل مقصود الصلاة الأعظم وهو الخشوع.
قال النووي في شرح مسلم: " وهذه الكراهة عند جمهور أصحابنا وغيرهم إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة فإذا ضاق بحيث لو أكل أو تطهر خرج وقت الصلاة صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها وحكى أبو سعد المتولي من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أنه لا يصلي بحاله بل يأكل ويتوضأ وان خرج الوقت لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته" انتهى.
واختار هذا الوجه الشيخ العثيمين رحمه الله، قال رحمه الله في شرحه الممتع على زاد المستقنع: "إذا قال قائل: إنَّ الوقت قد ضاقَ، وهو الآن يُدافع أحد الأخبثين فإن قضى حاجته وتوضَّأ خرج الوقتُ، وإن صَلَّى قبل خروج الوقت صَلَّى وهو يدافع الأخبثين، فهل يُصلِّي وهو يدافع الأخبثين، أو يقضي حاجته ويُصلِّي؛ ولو بعد الوقت؟
فالجواب: إنْ كانت الصَّلاةُ تُجمع مع ما بعدَها فليقضِ حاجته وينوي الجمع؛ لأن الجمع في هذه الحال جائز، وإن لم تكن تُجمع مع ما بعدَها كما لو كان ذلك في صلاة الفجر، أو في صلاة العصر، أو في صلاة العشاء، فللعلماء في هذه المسألة قولان :
القول الأول: أنه يُصلِّي ولو مع مُدافعة الأخبثين حفاظاً على الوقت، وهذا رأي الجُمهور.
القول الثاني: يقضي حاجته ويُصلِّي ولو خرج الوقت.
وهذا القول أقرب إلى قواعد الشريعة؛ لأن هذا بلا شَكٍّ من اليُسر، والإنسان إذا كان يُدافع الأخبثين يَخشى على نفسِه الضَّرر مع انشغاله عن الصَّلاة.
وهذا في المدافعة القريبة. أما المدافعة الشديدة التي لا يدري ما يقول فيها، ويكاد يتقطَّع من شدة الحصر، أو يخشى أن يغلبه الحَدَث فيخرج منه بلا اختيار، فهذا لا شَكَّ أنه يقضي حاجته ثم يُصلِّي، وينبغي ألا يكون في هذا خلاف." انتهى.
فإذا تبين لك خلاف العلماء في هذه المسألة وعرفت مذهب الجمهور فيها وهو الأحوط، فاعلم أنه على القول بجواز إخراج الصلاة عن وقتها في هذه الحال فإنها تكون قضاءا لا أداءا لأن الأداء هو فعل العبادة في الوقت والقضاء هو فعلها بعد الوقت، ولكنه يكون معذورا غير آثم بهذا التأخير على هذا القول.
والله أعلم.