الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل هو وجوب الالتزام بشرط الواهب أو الجهة المانحة، فإن كان السائل قد دفعت له هذه الأموال على سبيل الصدقة، فإنه يمتلكها ولا يلزمه رد ما تبقى بعد تكاليف العلاج. وأما إن كان بذلهم له إنما كان بقصد العلاج فحسب، فيجب أن يرد عليهم ما تبقى. وقد ذكر أهل العلم لذلك أشباها ونظائر، ومن ذلك ما قاله خليل في مختصره عن المكاتب: وإن أعانه جماعة، فإن لم يقصدوا الصدقة: رجعوا بالفضلة. اهـ. قال عليش في منح الجليل: المكاتب إن أعانه قوم في كتابته بمال فأداها منه، وفضلت فضلة، فإن أعانوه بمعنى الفكاك لرقبته لا صدقة عليه فليرد إليهم الفضلة بالحصص، أو يحللوه منها. اهـ. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 33684.
ومن ذلك ما قاله النووي في باب الزكاة من المجموع: لو غزا ورجع وبقي معه شيء من النفقة، فإن لم يقتر على نفسه وكان الباقي قدرا صالحا استرد منه، لأنا تبينا أن المدفوع إليه كان زائدا.. وفي مثله في ابن السبيل يسترد على الصحيح المشهور... أما إذا قتر الغازي على نفسه وفضل شيء بحيث لو لم يقتر لم يفضل لم يسترد بلا خلاف. لأنا دفعنا إليه كفايته فلم نرجع عليه بما قتر كالفقير إذا أعطيناه كفايته فقتر وفضل فضل عنده لا يسترجع منه. اهـ.
وعلى ذلك فالنظر يتوجه إلى مقصد هؤلاء المحسنين، وباعتباره يكون الحكم في ما بقي من أموال، فإن لم يعلم السائل مقصدهم، فبإمكانه أن يبين لهم حقيقة الحال، فإما أن يستردوا ما بقي من أموالهم، وإما يحلوه للسائل.
وأما ما ذكره السائل الكريم بخصوص البلدية، وأنه على يقين بأنه لو رد المال إليها فسيؤول إلى جيوب المسؤولين دون نقاش ولن يدخل خزينة البلدية. فإن كان كذلك فلا يرده إليهم.
قال النووي عليه رحمة الله في معرض الكلام على التخلص من المال الحرام: إذا وقع في يد الشخص بسبب هبة أو غيرها من سلطان جائر قلت: المختار أنه إن علم أن السلطان يصرفه في مصرف باطل أو ظن ذلك ظنا ظاهرا لزمه أن يصرفه في مصالح المسلمين.. اهـ.
وعليه؛ فيجب على السائل إن صح ما يقول أن ينفق هذا المال في أنواع الصدقات وأوجه البر لعجزه عن رده لموضعه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: جميع الحقوق التي لله ولعباده هي مشروطة بالتمكن من العلم والقدرة والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم، ولهذا قال العلماء: إن ما يجهل مالكه من الأموال التي قبضت بغير حق كالمكوس أو قبضت بحق كالوديعة والعارية وجهل صاحبها بحيث تعذر ردها عليه فإنها تصرف في مصالح المسلمين، وتكون حلالا لمن أخذها بحق كأهل الحاجة والاستعانة بها على مصالح المسلمين دون من أخذها بباطل كمن يأخذها فوق حقه. اهـ.
وقال أيضا: لو حصل بيده أثمان من غصوب وعواري وودائع لا يعرف أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم لأن المجهول كالمعدوم في الشريعة والمعجوز عنه كالمعدوم. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 94145، وعلى ذلك فلا حرج على السائل أن يمضي في ما ذكر في آخر سؤاله أنه يفكر فيه. ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 106478.
والله أعلم.