الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا السؤال فيه شيء من الخلط ، سببه تنزيل ما عهدنا في عصرنا عن الخدم ومستخدميهم، على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، والحقيقة على خلاف ذلك. ونكتفي هنا ببيان فرق واحد، وهو أن الخدم في عصرنا هذا لا يكون في الغالب إلا لطبقة المترفين، ويكون استخدامهم على وجه التوسع والسرف، بغرض التفرغ للملذات والإخلاد إلى الدعة والراحة، والاستسلام للكسل والفتور.
وأما في حق النبي صلى الله عليه وسلم ومن على طريقه من صحابته الكرام رضي الله عنهم، فقد كان تفرغا لما هو أهم وأنفع، من العلم والدعوة والجهاد وسياسة الدولة الإسلامية ورعاية أفرادها ونحو ذلك من معالي الأمور ومهماتها.
وبخصوص خدم النبي صلى الله عليه وسلم كأنس بن مالك وربيعة بن كعب وغيرهما، نود أن ننبه في شأنهم على عدة أمور:
ـ الأول: أنهم كانوا متطوعين ولم يكونوا أجراء.
ـ الثاني: أن طريقة معاملتهم بعيدة كل البعد عما نعهده من معاملة الخدم في عصرنا، وقد قال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي أفَّ قط، ولا قال لي لشيء: لم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا. وفي رواية: ولا عاب علي شيئا قط. رواه مسلم.
ـ الثالث: أن خدمتهم لم تكن هي الأخرى على المعهود من الخدمة عندنا، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعين بهم في بعض أمره لا في كل أمره، فقد سئلت السيدة عائشة: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ فقالت: كان بشرا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. رواه أحمد، وصححه الألباني. وفي رواية: يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت أنه كان يخدم أهل بيته، فعن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله ـ تعني خدمة أهله ـ فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. رواه البخاري.
ولا يخفى أن شيئا من ذلك لا يتعارض مع الزهد والورع ونحو ذلك من المعاني الفاضلة، وراجع لمزيد الفائدة الفتويين رقم: 18551، 118341.
والله أعلم.