الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، وهي المسماة عندهم بمسألة الظفر بالحق كما سبق بيانه بالتفصيل في الفتاوى ذات الأرقام: 38796، 49905، 27641، وما أحيل عليه فيها.
والراجح المفتى به عندنا أنه يجوز لصاحب الحق أخذ حقه بأي وسيلة أمكن له الحصول بها على حقه بشرط ألا يتجاوز حقه أو يخشى أن يترتب على أخذه ضرر أكبر، قال الإمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: إنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء:58}، والصحيح جواز ذلك كيف ما توصل إلى أخذ حقه ما لم يعد سارقاً، وهو مذهب الشافعي وحكاه الداودي عن مالك وقال به ابن المنذر واختاره ابن العربي، وأن ذلك ليس خيانة وإنما هو وصول إلى حق، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. وأخذ الحق من الظالم نصر له. اهـ
ولذلك فإذا كان الشخص المذكور قد منعك من حقك المقطوع به ولم تستطع الوصول إليه إلا بالطريقة المذكورة فإنه لا حرج عليك ولا إثم إن شاء الله تعالى ما لم تتجاوز حقك أو يترتب على أخذك ضرر أكبر، قال الدسوقي المالكي في حاشيته على الشرح الكبير: إذا كان شخصان لكل منهما حق على الآخر فجحد أحدهما حق صاحبه فللآخر جحد ما يعادله وله أن يحلف ويحاشي -أي يوري- في اليمين، وكان عليك عند الحلف أن تنوي أنك لم تأخذها على أنه له بل أخذتها على أنها حقك الذي امتنع عن دفعه لك، وعلى افتراض أنك لم تنو النية المذكورة فما عليك إلا التوبة والتوبة تجب ما قبلها.
والله أعلم.