الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجمهور العلماء على أن الابن البالغ لا تجب نفقته على أبيه ، إلا أن يكون عاجزاً كالمريض والمجنون ، ومذهب الحنابلة وجوب نفقة الابن الفقيرعلى أبيه ولو كان صحيحاً قوياً ، قال المرداوي : "شمل قوله وأولاده وإن سفلوا الأولاد الكبار الأصحاء الأقوياء إذا كانوا فقراء وهو صحيح وهو من مفردات المذهب" الإنصاف - (9 / 289)
بل ذهبوا إلى وجوب تزويج الابن الفقير المحتاج للزواج قال ابن قدامة : " قال أصحابنا : وعلى الأب إعفاف ابنه إذا كانت عليه نفقته وكان محتاجا إلى إعفافه " المغني - (9 / 258)
فعلى ما ذهب إليه الحنابلة لا يجوز للأب أن يمتنع عن الإنفاق على أولاده المحتاجين لينفق ماله في الدعوة إلى الله ، وعلى ما ذهب إليه غيرهم يجوز للأب أن ينفق ماله في الدعوة إلى الله ولا يلزمه الإنفاق على أولاده الكبار.
لكن على كلّ الأقوال ينبغي أن ينصح الأب بأن ينفق على أولاده المحتاجين، ويبين له أنّ ذلك من أفضل الأعمال عند الله.
وأما احتجاجه بقوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ {التغابن : 14} فليس في محله ، فإن المراد بالآية –والله أعلم- ألا يطاع الأولاد والأزواج في معصية الله ، ففي سنن الترمذي عن ابن عباس وسأله رجل عن هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) الآية قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. اهـ
قال السعدي في تفسيره : " هذا تحذير من الله للمؤمنين، من الاغترار بالأزواج والأولاد، فإن بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، ووظيفتك الحذر ممن هذه وصفه والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد، ولو كان فيها ما فيها من المحذور الشرعي ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية " تفسير السعدي - (1 / 868)
وليس في إنفاق الأب على أولاده المحتاجين معصية بل هي طاعة من أجل الطاعات ومن أفضل وجوه الإنفاق إذا ابتغي بها وجه الله، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك. رواه مسلم.
والله أعلم.