الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أحسنت حين لم تبلغ هذه الأسرة هذا الكلام الذي سمعته، فإن مثل هذا الكلام يكسر الخواطر ويوغر الصدور وتثور بسببه الضغائن والأحقاد. وهذا الحديث الذي ذكرته قد رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وهو وإن كان قد ضعفه بعض العلماء إلا أن معناه صحيح. فالإسلام حريص على سلامة صدور المسلمين تجاه بعضهم بعضا.
وقد أساء صاحبك هذا حين نقل إليك هذا الكلام، فإن هذا نوع من النميمة.
نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن الغزالي أنه قال: النميمة في الأصل نقل القول إلى المقول فيه ، ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما، وسواء كان المنقول قولا أم فعلا، وسواء كان عيبا أم لا، حتى لو رأى شخصا يخفي ماله فأفشى كان نميمة. اهـ.
وقد كان الأولى بهذا الرجل الذي نقل إليك هذا الكلام أن ينصح هذين الرجلين ويذكرهما بأن ذكر الناس حال غيبتهم دائر بين الغيبة والبهتان، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته.
فالذي ننصح به هو السعي في الإصلاح، فإن الشيطان حريص على أن يفرق بين المسلمين، ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قد يئس الشيطان أن يعبده المسلمون ولكن في التحريش بينهم.
والصلح خير كما أخبر الله تعالى في كتابه. وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين وفساد ذات البين هي الحالقة.
وأما ما ذكر من عدم الذهاب يوم الجمعة إلى المسجد فإن كان المقصود به عدم الذهاب إلى صلاة الجمعة فلا يجوز لمن كانت الجمعة واجبة في حقه أن يتخلف عنها لغير عذر شرعي. ولمعرفة أهمية صلاة الجمعة يمكن مراجعة الفتوى رقم: 31502. وإن كان المقصود عدم الذهب للبرامج التي تقام في المساء مثلا فمثل هذه لا ينبغي التخلف عنها فإن تلقي العلوم النافعة من الخير، فقد يحرم المرء نفسه منه. ثم إنه لا ينبغي أن تكون التصرفات السيئة لبعض الأفراد سببا لصد الإنسان عن شيء من دينه.
ولا ندري ما المقصود بعبارة:" هذا الكلام للناس قليلي الحيلة" فإن كان المقصود أن قول حسبي الله ونعم الوكيل ودعوة المظلوم" يحتاج إليها الضعيف وأن الأقوياء ليسوا في حاجة إلى ذلك، فهذا المعنى خطير جدا، فإنه لا أحد في غنى عن عون الله تعالى، ومن ظن أنه مستغن عن الله تعالى فهو ضال وربما كان سببا لهلاكه.
قال ابن القيم في كتابه طريق الهجرتين: والمقصود أن الاستغناء عن الله هلاك العبد وتيسيره لكل عسير ، ورؤيته غنى نفسه سبب طغيانه، وكلاهما مناف للفقر والعبودية. اهـ.
ولهذا كانت كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة عظيمة لأنها تتضمن تبرؤ الإنسان من حوله وقوته والتجاءه إلى حول الله وقوته، ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: يا عبد الله بن قيس قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة. أو قال: ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله.
والله أعلم.