الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما كان منك - أيتها السائلة – من نصيحة لأبيك أن ينظر في تقصيره في حقك وحق أمك، أمر طيب لا حرج عليك منه، ولكن كان من الواجب عليك أن يكون هذا بأسلوب لين رفيق لا زجر فيه ولا تعنيف، وبما يتوافق مع حق أبيك عليك من البر والتوقير والاحترام، فإن الله سبحانه قد أمر الأبناء بتوقير آبائهم ونهاهم عن مجرد التأفيف لهم قال تعالى: "فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا" {الإسراء:24}.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وقل لهما قولا كريما. أي لينا لطيفا مثل يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. انتهى.
واعلمي أن حق الوالدين يستمر حتى مع إساءتهما وتقصيرهما في حق الأبناء؛ لأن الله سبحانه لم يعلق الأمر ببر الآباء وإكرامهم على كونهم محسنين لأبنائهم، وإنما علقه على مجرد الأبوة حتى ولو كانا مشركين يدعوان ابنهما إلى الشرك بالله والكفر به، فعليه حينئذ أن يصاحبهما بالمعروف قال سبحانه:" وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان/15]} فينبغي إكرام الوالدين وإن أساءا .
وما ذكرت من حال أبيك وتفريطه في حقوقكم وحقوق أمكم لا شك أنه إثم عظيم، لأن الشريعة الغراء قد أمرت بالعدل بين الأولاد فقال – صلى الله عليه وسلم – "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" رواه البخاري ومسلم . وأمرت كذلك بالعدل بين الزوجات، وجاء الوعيد الشديد لمن مال لإحدى زوجتيه وضيع الأخرى، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 118739.
وأيضا فإن من حق الزوجة على زوجها أن يوفيها حقها في الفراش قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى: ويجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف وهو من أوكد حقها عليه أعظم من إطعامها، والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل: بقدر حاجتها وقدرته، كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته وهذا أصح القولين. انتهى .
ومن حق الزوجة أيضا أن ينفق عليها زوجها في سائر الضروريات والحاجيات بالمعروف على قدر حالهما معا يسارا أو إعسارا، وقد بينا ماهية النفقة الواجبة على الزوج في الفتوى رقم: 113285
أما نفقة البنت إذا تزوجت ثم طلقت فقد حصل فيها خلاف فذهب بعض العلماء إلى أنها لا تكون على أبيها إلا إذا كانت غير بالغة جاء في الثمر الداني في الفقه المالكي: "فإذا طلقها زوجها أو مات عنها فلا تعود نفقتها على الأب إن كانت بالغة وتعود إن كانت غير بالغة" انتهى. ولكن الراجح وجوب نفقة الأولاد ذكرانا أو أناثا بالغين أو غير بالغين ما داموا فقراء قال في سبل السلام" وإيجاب نفقة الولد على أبيه وإن كان كبيراً، قال ابن المنذر اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب، فأوجب طائفة النفقة لجميع الأولاد أطفالاً كانوا أو بالغين، إناثاً أو ذكراناً إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن الآباء" انتهى.
وعليه فإن من الواجب على أبيك أن ينفق عليك ما دمت فقيرة محتاجة.
والله أعلم.