الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد وقعت أيها السائل في جملة من الأخطاء والمخالفات الشرعية التي تستوجب منك التوبة إلى الله جل وعلا واستغفاره، ومنها:
أولا: حديثك مع هذه المرأة وعلاقتك بها قبل الزواج، وهذا منكر عظيم وباب من أبواب الفتنة والفساد على ما بيناه في الفتاوى التالية أرقامها: 120672, 21582, 121866.
ثانيا: اتفاقك معها على الزواج وهي في عصمة زوجها وهذا محرم إجماعا، بل إنه لا يجوز التصريح بخطبة المرأة ولا مواعدتها على الزواج صريحا إلا بعد طلاقها من زوجها وانتهاء عدتها. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 116180.
ثالثا: تشديدك عليها في الالتزام بأوامر الشرع جملة واحدة، وهذا لا يليق بحال من دخل حديثا في الإسلام، بل ينبغي التلطف في دعوته إلى الله وتعليمه شرائع الدين بما لا ينفره، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لعائشة: ولولا أن قومك حديثو عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدار في البيت وأن ألصق بابه بالأرض. متفق عليه.
جاء في شرح النووي على مسلم: وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد ابراهيم صلى الله عليه و سلم مصلحة ولكن تعارضه مفسده أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا. انتهى
ولكن هذا لا يعني أن يخلي بينه وبين الفواحش والمنكرات، كلا بل المقصود الترفق بها في إلزامها بشرائع الدين خصوصا فيما يجري مجرى السنن والمندوبات.
رابعا: إكثارك من ذم أهل بلادها وانتقادهم وذم أخلاقهم مما أدى بها إلى الظن بأنك تتهمها في أخلاقها، وهذا خلاف الحكمة، وفيه ما فيه من التنفير وإثارة حمية الجاهلية وعصبيتها.
أما عن رسالتك هذه التي أرسلتها إليها بما يفيد طلاقها فهذا من باب الكناية التي يرجع فيها لنية صاحبها، فإن كان يريد إيقاع الطلاق وقع، وإن كان لا يريد إيقاعه فلا يقع، وأنت قد ذكرت أنك كتبت الرسالة ولم تقصد إيقاع الطلاق فلا يقع الطلاق حينئذ. وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 53648.
أما التطليقتان اللتان طلقتها فيهما عبر الهاتف فإنهما يقعان حتى وإن لم تقصد إيقاع الطلاق بهما لأن الطلاق الصريح يقع بمجرد التلفظ به.
وكذلك التطليقة الثالثة فإنها تقع، وعليه فإن هذه المرأة قد حرمت عليك، ولا يجوز لك ارتجاعها إلا بعد أن تنكح زوجا غيرك نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها.
واعلم أن وقوع الطلاق في طهر حصل فيه جماع يجعل الطلاق بدعيا يأثم به صاحبه. قال ابن قدامة في المغني: وأما المحظور فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه، أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويسمى طلاق البدعة لأن المطلق خالف السنة وترك أمر الله تعالى ورسوله، قال الله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء" ا.هـ
ولكن كونه بدعيا لا يمنع وقوعه على الراجح من كلام أهل العلم، قال الإمام البغوي في تفسيره: ولو طلق امرأته في حال حيض أو في طهر جامعها فيه قصداً يعصي الله تعالى، ولكن يقع الطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر بالمراجعة فلولا وقوع الطلاق لكان لا يأمر بالمراجعة. انتهى.
وقال الإمام ابن الجوزي في زاد المسير: والطلاق البدعي أن يقع في حال الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فهو واقع وصاحبه آثم. انتهى.
والله أعلم.