الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالراجح عندنا أيها السائل هو ما أفتيناك به من عدم وقوع الطلاق بهذا الصيغة المذكورة، وسبق أن ذكرنا لك فتوى الشيخ عليش المالكي رحمه الله وقد سئل: ما قولكم فيمن عزم على تعليق طلاق زوجته فقال علي الطلاق ثلاثا ـ فوضع والده يده على فمه ومنع من إتمام الكلام؟ فكان الجواب: لم يقع الطلاق ولا شيء عليه ـ كما أجاب إمامنا مالك عمن أراد أن يعلق طلاق الثلاث على شيء فقال: علي الطلاق ثلاثا وسكت ـ حسبما نقله المواق عن المتيطي. انتهى.
واعلم أيها السائل أنك أنت من أدخلت الحرج على نفسك بتكرار سؤالك عن هذا النازلة بعد أن أفتيت بها أول الأمر، وكان عليك إذ سألت أهل العلم وأفتوك أن تأخذ بفتواهم وتعمل بها، ولا تسأل مرة أخرى قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {النحل:43}
قال القرطبي رحمه الله: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه، أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه لقوله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{النحل:43} وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى لا يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. انتهى.
لكنك أبيت إلا أن تشدد على نفسك وتلبس عليها، فوقعت في هذا الحرج والتردد، فدع عنك هذه الوساوس وخذ ما أفتيناك به، فإنما يريد الشيطان أن يفسد عليك حياتك ويوقع بينك وبين زوجك، واعلم أن هذا الذي تفعله من التوسع في السؤال لا يبعد أن يكون داخلا في التنطع المذموم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطعون قالها ثلاثا. رواه مسلم.
والله أعلم.