الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكم، وأن يقي والدكم شر نفسه. وأما إجابة هذا السؤال فمبناها على ثبوت حق مالي للأخت السائلة في ذمة والدها، فإن ذلك إن ثبت جاز لها أن تستوفيه من ماله بشرط عدم التعدي ولو بغير علمه، كما هو معروف في مسألة الظفر. وإلا فلا.
ولتفصيل الأمر وإيضاحه للأخت السائلة نقول:
ــ أولا: نفقة الزوجة لا إشكال ولا خلاف في وجوبها على زوجها.
وأما نفقة الأولاد فإن كانوا لا مال لهم، فتجب النفقة على الذكور منهم حتى يبلغوا ويقدروا على الكسب، وعلى الإناث حتى يتزوجن، على الراجح من أقوال أهل العلم.
ولا يخفى أن هذه النفقة الواجبة لا يصح للوالد أن يطالب بها أولاده بعد ذلك !! وراجعي في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 25339، 35641، 23776، 125177، 49056.
ــ ثانيا: لا يجوز للوالد إذا كان موسرا غير محتاج أن يأخذ شيئا من مال أولاده ولا إلزامهم بما وجب عليه من النفقات، وإما إن احتاج فيجوز له ذلك بشرط عدم الإضرار بهم، وأن لا يأخذ ما تعلقت به حاجتهم، ولا يأخذ من بعضهم ليعطي أولاده الآخرين. ويمكن مراجعة ذلك في الفتويين رقم: 25339، 79143.
وعلى ذلك، فالذي يفهم مما ذكرته السائلة عن حال والدها: أنه ليس له أن يلزمها بالنفقة لا على أمها ولا على إخوتها، وأما على نفسها فنعم باعتبار أن لها مالا.
قال المرغيناني في (الهداية): تجب النفقة على الأب إذا لم يكن للصغير مال، أما إذا كان فالأصل أن نفقة الإنسان في مال نفسه صغيرا كان أو كبيرا. اهـ.
ــ ثالثا: ما أنفقته السائلة على إخوتها في الماضي ليس لها أن تطالب به الآن، وكذلك ما أنفقته على أمها؛ لوجوب ذلك عليها في حال حاجة الأم وترك الزوج النفقة عليها، وإن كان يثبت للزوجة نفسها عندئذ قدر نفقتها الواجبة دَيناً في ذمة زوجها.
جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب المالكية والشافعية والحنابلة في أظهر الروايتين والحسن وإسحاق وابن المنذر إلى أن من ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدة لم يسقط بذلك، وكان دينا في ذمته، سواء تركه لعذر أو لغير عذر، لأنه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة، فلا يسقط بمضي الزمان. اهـ.
وفيها أيضا: نفقة غير الزوجة تسقط بمضي الزمان فلا تصير بفوتها دينا في ذمة من تجب عليه إلا باقتراض قاض بنفسه أو مأذونه لغيبة أو منع فإنها حينئذ تصير دينا عليه بشرط أن يثبت عنده احتياج الفرع وغنى الأصل مثلا .أما نفقة الزوجة فلا تسقط بمضي الزمان بل تصير دينا في ذمة الزوج. اهـ.
وبما تقدم يظهر أنه ليس للسائلة أن ترجع على والدها بما أنفقته على أسرتها بسبب إلزامه لها، لا سيما وهي لم تشترط بل لم تنو غالبا، الرجوع بذلك عليه. فلا تعتبر هذه النفقات دينا لها على والدها تستحق مطالبته به.
والذي نراه حلا للقضية في ما يستقبل، أن للأخت السائلة أن تحتفظ بالمبلغ المذكور (5000 ريال) لصرفه نيابة عن والدها في ما يجب عليه من النفقة على زوجته، وعلى أولاده المحتاجين للنفقة لصغرهم أو عجزهم عن الكسب، وأن يكون ذلك بالمعروف.
ثم نذكر السائلة بعظم حق الوالد وإن أساء، وأن تحتسب أجرها على الله في أداء المطلوب، ما يجب منه وما يستحب. فإن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، قال تعالى: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * {يوسف:56، 57}.
والله أعلم.